كما أن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء عن الإنسان حتى ولو كانت الصدقة من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، فأيضا نصرة المظلوم أشد قوة من الصدقة، في دفع الضرر عن صاحبها، ونجاته من الذل، وتجنب عقاب الله في الدنيا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يخذل امرءًا مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» (رواه أحمد).
فما أكثر المظلومين في زماننا وكم يرى الناس من إنسان ينتهك عرضه وتداس كرامته ويسلب ماله ويسفك دمه ثم لا يجد من ينصره أو من يقف بجانبه وأصبح هذا الحق والواجب ضائعاً وغريباً في حياتنا.
يقول الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرا} [النساء:75]، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].
وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أُذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة» [(رواه أحمد بسندٍ حسن) .
ويقول الله تعالى : {لُعِنَ ٱلذين كَفَرُواْ مِن بني إسرائيل عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلك بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يتنٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة:78-79]،.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم».
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» .
دفع الظلم
في حياتنا، في الشارع، في السوق، في الوظيفة، في القبيلة يمارس الظالم على المستضعفين ظلمه أمام الناس ولكن لا يتحرك أحد لنصرته، ولو حتى بأبسط أدواتها ووسائلها.. الكلمة والنصيحة والزجر والدلالة على الخير وبذل المعروف وكف الأذى عن صاحب المظلمة أو على الأقل أن يشعر المرء بتأنيب الضمير ويعذر إلى الله بسبب ضعفه وعدم قدرته.. ولكن تجد الكثير يتفرج ويشاهد ويسمع ولا يتأثر أو يحس أو على الأقل أن يتمعر وجهه غضباً لله وإنكاراً لهذا المنكر.
ولذلك تضيع حقوق وتهدر كرامات ويشيع الظلم ويعم البلاء وتتعدد المظالم ويكثر الظلمة ويتطاول الإنسان على أخيه الإنسان دون خجل أو حياء.
فالموقف السلبي لا يمكن أن يكون مقبولاً من أحد، حاكم أو محكوم، في دنيا المسلمين وحياتهم، فقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "يا أيها الناس إنكم لتقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها {يٰأَيُّهَا ٱلذين امنوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهتديتم} [المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» .
فنصرة المظلوم من الفروض الكفائية، فإذا قام بها البعض وتمت النصرة سقطت عن الباقين في المجتمع المسلم، وإذا لم يقوم بها أحد أثم من كان مستطيعاً وعنده القدرة على ذلك.
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنبحلف الفضول
وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلف الفضول، وقد جاوز العشرين، وقال بعد ما بعثه الله: «حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما يسرني به حمر النعم ، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت».
الموقف الصادر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومثله الموقف في حلف الفضول يؤكد أنّ الدفاع عن الحق، ونصرة المظلوم مسؤولية يسأل عنها الإنسان، والقادرعلى القيام بها تجاه المظلومين والمضطهدين، وبغض النظر عن عقيدة المظلوم أو لغته أو طبقته الاجتماعية أو انتمائه السياسي.. لنقرأ موقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مظلوم استغاث به لإنقاذ حقّه، ولنتأمل في الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يومها.
نقل ابن كثير فقال: "قدم رجل من أراش بإبل له إلى مكّة، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام، فمطله بأثمانها، فأقبل الأراشي حتى وقف على نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في ناحية المسجد، فقال: يا معشر قريش من رجل يعد على أبي الحكم بن هشام، فإني غريب، وابن سبيل، وقد غلبني على حقي، فقال أهل المجلس: ترى ذلك، يهمزون به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة، اذهب إليه، فهو يعد عليه، فأقبل الاراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له، فقام معه فلما رأوه قام معه، قالوا لمن معهم: اتبعه فانظر ما يصنع؟ فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال مَن هذا؟ قال: «محمد، فاخرج»، فخرج إليه، وما في وجهه قطرة دم، وقد امتقع لونه، فقال: «أعط هذا الرجل حقّه»، قال: لا يبرح حتى أعطيه الذي له، قال فدخل، فخرج إليه بحقه، فدفعه إليه، ثمّ انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال للاراشي «الحق لشأنك».. فأقبل الاراشي حتى وقف على المجلس، فقال: جزاه الله خيراً، فقد أخذ الذي لي
قال تعالى في قصة ذي القرنين: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً . قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} [الكهف:94-95].
والنصرة تكون باللسان واليد وبالمقال الصحفي وبالمحاماة وبالمال وبالنصح والتوجيه وكف الأذى وبالجهاد في سبيل الله وبالدعاء في ظهر الغيب، وتكون النصرة بنشر قضية المظلوم وتعرية الظالم وفضحه وزجره وتكون كذلك بالإصلاح بين الناس ومعالجة المشاكل وغير ذلك كل حسب قدرته واستطاعته.