يبدو تعبير العلاج بالحبّ غريبا وغير منطقي في زماننا هذا، حيث تصحّرت المشاعر البشرية، وأصبحت الوحدة أشبه بالسرطان الذي يفتك بنفوس البشر. فالنفس تشعر وتفرح وتحزن وتقلق وتكتئب وتسعد وتشقى وتحب، وينعكس كل ذلك على الجسد بالصحة والمرض، ولكن لا يوجد شيء يؤثر في النفس والجسد إيجابا وسلبا مثل الحب”.. وفي هذه السطور يبين لنا دكتور محمد السقا عيد الباحث في الإعجاز العلمي كيف أن الحب يعد علاجا ناجحا لكثير من الأمراض العضوية والنفسية....
يقول: إن الحب وحده كفيل بأخذ كل الأسقام بعيداً ، لأن المرض أياً كان هو نقص في طاقة الحياة لدى الإنسان وطاقة الحب نفسها هي طاقة الحياة ،الحب هو أنقى صور طاقة الحياة ... فما أن تفتح نفسك للحب إلا وستلاحظ الشفاء في داخلك ، ستلاحظه وتشعر به حتى يتجلى ويظهر أثره على جسدك ونفسك .
الحب علاج ناجح لكثير من معضلاتنا النفسية والاجتماعية، وبإمكاننا بنظرة متعمقة للحياة أن نغيِّر مشاعرنا تجاه الآخرين، ونجعلها مشاعر حُبّ وصدق ووفاء وحُبّ للخير لكل الناس، ونتمني السعادة لهم جميعاً، بل ونسعى من أجل تحقيقها لهم؛ لأن النفوس الطيبة والقلوب السليمة ترى سعادتها في سعادة الآخرين. ومن هنا يتحول الحب النابع منها إلى دواء يسري في أوصال الغير، ويعالج ما لديهم من عِلل ومشكلات ومعاناة وآلام.
إن الابتسامة والتسامح والهدوء والراحة النفسية والإيثار والكلمة الطيبة ومساعدة الآخرين وإبداء النصح وحُبّ الخير والصدق في التعامل.. كلها من مظاهر الحب الصادق، وكلها تصنع الفرح، وتحقق الراحة النفسية والسلامة لدى الآخرين، وهذا - بلا شك - فيه علاج لهمومهم، ومشاكلهم النفسية والصحية والاجتماعية.
علاقة الحب بالحياة
الحُبّ شعور طبيعي للنفس المتوازنة المتصالحة مع ذاتها، وهو ينعكس في راحة البال وراحة الضمير، وصفاء النفس، وحُسْن الظن، والثقة والطمأنينة، وحُسْن العلاقات مع الآخرين، والتسامح والتضحية وخدمة الآخرين.. وهي قيم حث عليها الإسلام، وكرسها، وأوصت بها السُّنة النبوية المطهَّرة، ولها تأثيرها في علاج الاكتئاب والقلق وأمراض أخرى، مثل الحسد والكراهية والأزمات القلبية والجلطات، وغيرها من الأمراض النفسية والعضوية.
هو الحُبّ هذا الشعور العجيب، وهذا الترياق الناجح، وهذا الإحساس الصادق الذي يهذب النفس، ويداوي جراحاتها، ويشكِّل الآخر، ويمنح الحياة لون الفرح وطَعْم البهجة والسعادة ونكهة العيش الكريم، ويمنحها إشارة الاستمرار والطمأنينة والأمان والسلام.
فالنفس البشرية خزانة للمشاعر الإيجابية ذات الأثر الفاعل في تغيير حياة الآخرين، وهي زاخرة بما يمكن أن يكون ترياقاً لكثير من العِلل الذاتية وعِلل الآخرين، ومن هنا يمكن اكتشاف العلاج للعديد من معضلاتنا من داخل نفوسنا وقلوبنا ومشاعرنا ومكنوناتنا الداخلية. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه" وهذا يعزز قيم الإيثار والحُبّ، وفي ذلك تذويب لمشاعر الحقد والحسد والكراهية.. فأي علاج أفضل من هذا؟ وأي علاج نحتاج إليه في هذا العصر أكثر من هذا؟ .
هذا الحُبّ هو الشعور العجيب، وهذا الترياق الناجع، وهذا الإحساس الصادق الذي يهذب النفس، ويداوي جراحاتها، ويشكِّل الآخر، ويمنح الحياة لون الفرح وطَعْم البهجة والسعادة ونكهة العيش الكريم، ومنحها إشارة الاستمرار والطمأنينة والأمان والسلام. و للحب القدرة على شفاء أي أمراض ... وما تواجدت الأمراض إلا بسبب الافتقار للحب.
عليك بدايةً أن تتقبل ذاتك وتحب ذاتك لتسمح للحب أن يسري فيك كما هو مقدر له أن يسري في كل الوجود ليبقيه حياً. لاحظ نفسك ... عندما تفتقد الحب ... انظر ماذا تشعر ... هل تشعر بالنور أم بالظلمة ؟ هل تشعر بالخير ـأم بالشر ؟ هل تشعر بالراحة أم الانزعاج ؟ هل بإمكانك أن تسترخي ؟ هل تشعر حقاً انك تعيش ؟ لاحظ نفسك وأنت في حالة الحب ... ولاحظ الفرق.
هرمون الحب
اكتشف الباحثون أن "الأوكسيتوسين" المعروف باسم هرمون الحب قادر على فعل العجائب في حياة الإنسان على صعيد الصحة العامة والصحة النفسية وعلى تصرفاتنا، بل إنه قادر على علاج العديد من أنواع الصداع أيضاً. لا تقتصر عجائب هذا الهرمون على تعديل المزاج فقط بل إنه يخفض معدلات هرمون التوتر ويخفض ضغط الدم... ويؤكد العلماء أيضاً أنه يلعب دوراً رئيسياً في تحديد مسار علاقاتنا مع الآخرين لأنه مرتبط بمشاعر الثقة التي نوليها لهم.
ترى ماهذا
العلاج المدهش الذي لايكلف سوى لمسة حانية ينطلق على إثرها هرمون (الاكسيتوسين) ؟ ! ذلك هو الهرمون المعالج الذي سكن أجسامنا طيعا وبقيَ رهنا لأي إشارة حب .
ولأن الزوجين هما أكثر المنتفعين بهذا الدواء، لذا عليهما تفعيل الغدة النخامية فيما يخص جانب (الاكسيتوسين) وذلك باستثارتها دومـا بالمودة والرحمة والأُلفة التى جعلها الله ملكا لهما. حقا بلمسة واحدة تنهض الهرمونات من موضعها ؛ راكبة كريات الدم ، جائلة في كل زوايا النفس لتنعشها وتبث فيها الفرح والمرح حتى تتبعها قطرة أخرى !.
ويتوالد مـن ذاك المرح هرمون آخر ألا وهـو ( الانترفيرون ! (ذلك هو الهرمون المتمم لجند الجسم ليقوم بمهمته الكبرى في مهاجمة الأمراض ! ومـازال الهرمون متجها إلى البشرة لينقيها، وإلى الخدود ليحمرها بـ (روج) رباني لم تقدر على صنعه الشركات ! ويبقى الهرمون جاهدا حتى يؤخر قدوم الشيب والكبر .
العلاج بالحب
يقول الدكتور "جوزيف كلاس" في كتابه «"القلب بين الطبيب والأديب":
لقد بينت أبحاث علم المناعة النفسية والعصبية الحديثة أن الدماغ يولّد جزيئات خاصة تسمى «البيبتيدات العصبية NEUROPEPTIDES تتفاعل مع كل خلية من خلايا الجسد، بما في ذلك خلايا الجملة المناعية، وأن أي تأثرٍ أو انفعالٍ يولد هذه الجزئيات التي تستقبلها كل الخلايا، وأن الانفعالات بمعناها الحقيقي تماماً، ليست في العقل فحسب، وإنما هي في الجسد أيضاً.
وقد تبين من دراسة أُجريت على خريجي "جامعة هارفرد" أن أكثر الخريجين تشاؤماً كانوا أكثرهم عرضة للإصابة بالمرض، وأن المزاج يمكنه أن يؤثر في نشاط خلايا الجسم المناعية، وهكذا نجد أننا عندما نشعر بالسعادة نكون وظائفياً "فيزيولوجياً" مختلفين عما كنا نشعر بالتعاسة أو الإحباط، وقد قال "ابن سينا" مثل هذا القول منذ أكثر من ألف عام.
ويضيف "الدكتور كلاس": "ومهما يكنْ من أمر الأبحاث العلمية وما كشفته، وما ستكشفه لنا في المستقبل فإنه من الجلي أن الاتصال بين العقل والجسد، قادرٌ على صنع الفارق بين الصحة والمرض، وأن الصحة توجد في جملة مناعية متوازنة، وأن هذا التوازن نستطيع أن نحييه، أو أن نحافظ عليه باتباع طرقٍ سلوكيةٍ معينةٍ، مثلَ الصلاة، والتأمل، والتخيل، والاسترخاء، وقد ثبت أن الإيمان من جهة، وحب التواصل مع الآخرين من جهة أخرى ينشطان طاقة الشفاء الذاتية".
وفي كتابه «ثقوب في الضمير: نظرة علي أحوالنا» للدكتور «أحمد عكاشة» يقول: «لقد ثبت علميا أن النسيج الاجتماعي هو الضمان لجودة الحياة والرضا والسعادة والوقاية ضد القلق والاكتئاب بل ينبه قدرة المخ علي التفاعل مع كروب الحياة، بل إنه يزيد من خلايا المخ والموصلات العصبية المسئولة عن اللذة والسعادة.
وتدل الأبحاث علي أن الإجهاد والكرب والاكتئاب يزيد من احتمال الوفاة أربع مرات عن المعدل الطبيعي، إن الكرب والقلق والاكتئاب والوحدة تؤثر علي عضلة وشرايين القلب وتزيد من كثافة الدم والتصاق الصفائح الدموية وتضعف جهاز المناعة!
ومن أهم وأخطر ما يشير إليه الدكتور «أحمد عكاشة»- أستاذ الطب النفسي - وهو يتحدث عن جودة الحياة والنسيج الاجتماعي هو قوله: «ويركز الطب هذه الأيام علي الأدوية والجراحات، والعلاج الجيني ومضادات الميكروبات، والحقيقة أن الحب والحنان وخصوصية المشاعر هي جذور سعادتنا وتعاستنا، إن المساندة الاجتماعية والتواصل مع الآخرين لها تأثير قوي علي البقاء في الحياة وقد ثبت من خلال تصوير المخ أن الكروب والاكتئاب والعزلة تسبب ضمورا في خلايا المخ وبخاصة في الفص الخاص بالمزاج والتعلم والذاكرة والتكيف مع الحياة «فص فرس البحر» مما يؤثر فعلا في نسيج المخ.
إن العلاج بمفرحات النفوس يوقف الضمور ويساعد علي تكوين خلايا واتصالات عصبية جديدة! ولكن ما يهمنا هنا تأكيد البحوث علي أن وجود الحب والعاطفة يزيد من الاتصالات العصبية وأن الانعزال والوحدة يسببان ضمورا في المخ، فالتواصل الاجتماعي وعدم إيثار الذات والتمركز حول الآخرين له تأثيره علي الصحة النفسية والعصبية.
إن الوحدة والانعزال تصيبان الفرد بأمراض القلب علي عكس هؤلاء ذوي التواصل الاجتماعي والعاطفي، ولا أعتقد أنه يوجد عامل يحمي من أمراض القلب سواء نوعية الطعام أو الرياضة أو عدم التدخين أو الأدوية والجراحة والعلاج الوراثي، الخ، مثل الحب والتعاطف والتواصل، فقد ثبت أن الوحدة والحرمان يسببان سلوك التحطيم الذاتي غير المباشر وأن العزلة والوحدة تجعلان الإنسان يعيش الحياة يوما بيوم بعكس هؤلاء، الذين يعيشون في تجانس اجتماعي
وفي احدي الدراسات اتضح أن الرجال والنساء الذين ينعمون بالحب أقل عرضة لانسداد الشرايين التاجية، وفي بحث آخر كان السؤال: هل تظهر زوجتك حبها لك؟ وهؤلاء الذين أجابوا بنعم كانوا أقل عرضة للذبحات الصدرية! وكذلك وجُد أن الرجال والنساء العزاب والمصابين بأمراض القلب والذين يعانون من الوحدة وعدم وجود الأذن الصاغية كانوا عرضة للوفاة ثلاث مرات أكثر من الذين يتمتعون بالتواصل والتعاطف.
وأخيرا يقول د. عكاشة: وتؤكد المصداقية العلمية أن قيمة الحب والعلاقة الحميمية والرحمة والتسامح والتضحية وخدمة الآخرين وهي قيم في كل الأديان والروحانيات لها تأثيرها الواقي من الاكتئاب والقلق وأمراض القلب.