بسم الله (الرحمن الرحيم).. لاشك هو أكثر وصف واسم من أسماء الله الحسنى نردده .. لكن في الغالب لا ندركه جيدًا، وفي مواقف عديدة من حياتنا لا نتوقف أمام معناه.
بل أنه قد يسأل أحدهم (ممن لايزال لا يعي المعنى الحقيقي لهذا الاسم)، أين هي الرحمة أمام الظلم الواقع في هذه الدنيا ؟.. أين هي الرحمة أمام كل هذا الألم والمريض ؟ أين هي الرحمة أمام الفقر ؟ أين هي الرحمة في كل تفاصيل حياتنا ؟!
هنا علينا أن نعي جيدًا أن الله عز وجل اسمه (رحيم) ويطالبك بالرحمة .. لكن أكبر خطأ قد تقع فيه أنك تفهم أن هذه الرحمة التي هي ملكك، هي ذاتها نفس مفهوم الرحمة الإلهية .. وأنك تفهم أن الجزء الذي أخذه البشر من ١٠٠ جزء رحمة إلهية ..هي مجرد مضاعفات نفس المفهوم التي تفهمه أنت عنها !.
أشكال وأصناف من الرحمات
عليك أن تعي عزيزي المسلم أن الـ ٩٩ جزءًا الآخرين من الرحمة الإلهية .. إنما هي أشكال وأصناف ومفاهيم مختلفة تمامًا عن معاني الرحمة التي نعرفها أو حتى نسمع عنها .. من ضمنها مثلاً مفاهيم تفسر ماذا يعني (أذى كبير ) في باطنه رحمة !
عقلك البشري ومفهومك عن الجزء المسموح لنا من الرحمة لا يعرف كيف يدرك غير الرحمة التي تخلوا من أقل أذى ..
وهو نفس العقل البشري الذي يضع معنى مفهوم الأذى !
فيسمح أنه يرى طفل يبكي لأن هناك طبيب ما يفتح له بطنه، ويعي أن ذلك ليس أذى، وإنما هي رحمة من هذا الطبيب .. لكن صعب جدًا أن يرى طفل يتم قتله، ويُدرك أن هذا إنما هي رحمة لأبيه وأمه و رحمة به من أنه يكبر ويكون ظالمًا لأن الله عز وجل مطّلع على اختياراته ( في قصة غلام سيدنا الخضر) ..
تعاطف العقل البشري مع موت طفل وحزن أبوه وأمه أقوى كثيرا من إدراك الحكمة .. فيتصور أنه أرحم من رب العالمين خالق الرحمة ذاتها !!
اظهار أخبار متعلقة
مخارج خرافية
هنا قد يبدأ هذا الشخص أن يجد مخارج خرافية، حتى يبرر لنفسه أنه بالتأكيد لا يمكن أن يكون الله (ظالمًا)، ولو لم يجد فإنه قد يقع في فخ إنكار وجود الله..
مفهوم الأذى ومفهوم الرحمة .. لا ندرك منها سوى جزء ضئيل لا يجعلنا نعرف نفسر أو نستوعب الوجع الذي نتوجعه في الدنيا .. وتحدث نفسك أين هي رحمتك يا رب !.. لتجد الإجابة في قوله تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).. كل شئ يعني شاملة كل رحلتك من أيام وأنت مازلت روح حتى نهاية الرحله الأبدية في الجنة أو وليعاذ بالله في النار ..
هناك حقائق مهمة لابد أن تتعرف عليها:
١- أن الله عز وجل خلقك للآخرة وليس للدنيا .. والغرض من دنيتك التجهيز لآخرتك .. وأمام هذا الهدف من الممكن أن يضحي الله لك بدنيتك كلها !
أنك تشبع نفسك وعقلك بهذه الفكرة .. فهذه بطانة مهمة جداً لاستيعاب فكرة الخير في باطن الشر ..
٢- هناك رحمة عامة و رحمة خاصة ..
الرحمة العامة : لكل خلق الله .. بما فيهم كافر - عاصي - ظالم .. شامله الأرزاق بشكل عام من صحه وهواء وأكل و كل الأرزاق بتنوعها .. لذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في حديث شريف: ( إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ).
الرحمة الخاصة:
النور والبصيرة التي في قلبك .. الطمأنينة .. العلم والفتح ..الرشد والحكمة .. البركة والتوفيق .. بينما أنت تعيش أكبر وجع تجد الطبطبة و الاستغناء بالله..
هذا النوع من الرحمة يحتاج لبذل و مجاهدة، وقرب و وصل مع الله حتى ترزق بهذه المنح التي ستستبدل بها عجزك البشري في فهم حكمة ربنا .. (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ).. فتعرف أن الإحسان هو أقرب طريق لاستشعار معاني الرحمة ..
٣- لا يوجد شر مطلق في الدنيا مهما كان عقلك لا يستوعب أن هذا ليس بشر .. يقول المولى عز وجل: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ "بِيَدِكَ الْخَيْرُ " إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
بيدك الخير .. كله خير.. لكنها ( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ).. أي مستحيل أن ندركها ..
الله عز وجل صنعك ونفخ فيك من روحه .. نفخة .. مجرد نفخة أعطتنا لمسات من صفاته وأسمائه .. أهلّتنا لمكانة خليفة الله في الأرض .. فواجب علينا أن نتعلم أسماء الله وصفاته .. لا أن نكتسبها ونتأله بها على الله ونحاسب ونقيّم أفعاله وصفاته.. حاشى لله !
بهذا المنطق مهما كانت المصائب لكن أنت لست أرحم من الذي خلق الرحمة ذاتها .. ولا أرحم عليهم أكثر من خالقهم ..
كل هذا مفتاحه ( التسليم التام- التوحيد بالله ) الذي ستصل له بالمعرفة والذكر ..
الخلاصة: إياك أن تحاول أن تثبت من المواقف إذا كان الله رحيما بنا أم لا .. سلّم برحمته حتى تعرف كيف تتعلم من المواقف و تستطيع أن ترى بنوره أمورًا أكثر تغيب عنك.