هل ينفع الاعتذار في كل الأوقات؟ هل يجدي الاعتذار سواء كان عن غير قصد أم كان بإهمال وتعمد للإيذاء؟، ربما يعتقد بعض الناس أنه بإمكانه أن يتسبب في عجزك كليا، ويقوم بإيذائك بدنيا، أو يقتل عزيزا عليك، مقابل كلمة بسيطة بعتذر بها إليك، وما عليك إلا قبول هذا الاعتذار، سواء كان المعتذر متعمدا في إيذائك أو كان إيذاؤه عن غير قصد، وكأن اعتذاره لك صك قرآني يجب الإيمان به وقبوله، حتى ولو وصل فعله لحد الجريمة.
فقد تمضي في الطريق وتلتزم بآدابه، ولكن لا يشفع لك هذا الالتزام، حينما تجد قائدا لسيارة أو دراجة نارية يسير عكس تجاه السير فيصدمك، أو يهشم سيارتك، ثم يبادر إليك معتذرا، بكلمة " معلش" وما عليك إلا أن تقبل عذره، وقد يتهاون بعض المغرورين بأرواح الناس، فيترك سيارته أو دراجته النارية لابنه الصغير، الذي يلعب بها، ويسير بسرعة جنونية، ليقتل ابنك الصغير، لتدفع ثمن فوضى هذه العائلة وهذا الأب الذي ترك سيارته لابنه كي يقتل ابنك، ثم يبادر إليك معتذرا، ويكون الثمن المقابل لحياة ابنك هو كلمة "معلش".
إلا أن الأفدح من هذه الجريمة، هو كبر هؤلاء بكلمة "معلش"، فقد تفاجأ حينما ترفض اعتذار هذا المهمل بل المجرم، فتجده يتطاول عليك بعدما رفضت اعتذاره، عن قتل ابنك أو تدمير مستقبلك.
والأكثر جرما وجنونا هو بعض الناس في الشارع تجده يتدخل ويتوسط إليك بإجبارك على قبول اعتذاره، حتى ولو أجرم في حقك، قائلا لك: " ما خلاص ياأستاذ ما قالك معلش يعمل لك ايه تاني يبوس رجلك؟.
كلمات حينما تسمعها ربما تصاب بالجنون والحسرة، فهل تساوي كلمة "معلش" حياة إنسان فقد روحه نتيجة إهمال الغير و تعمد إيذائه للناس في الطرقات، وهل تساوي كلمة " معلش" أن يقتل صبي مستهتر ترك له أبوه سيارته لكي يقتل بها أطفالنا، ثم نكتفي باعتذارهم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، رغم هول وعظم جريمتهم.
وعلى الجانب الأخر، قد يبالغ بعض الناس في رفض الاعتذار، حينما تمضي في الطريق وخلال الزحام، وتدوس على قدم أخيك، فتبادر له بالاعتذار نتيجة الزحام، ولكن سرعان ما تفاجأ بلكماته إليك وتوجيه سبابه لأمك.
اظهار أخبار متعلقة
متى نرفض الاعتذار؟
شاعت كلمة "معلش" بين العرب، سواء كان الفعل مقبولا أم يرقى لدرجة الجريمة، إلا أنها أصبحت المبرر عن كل جرائمنا في حق أنفسنا وحق غيرنا.
ولو تتبعنا أصل هذه الكلمة أو بمعنى أصح هذه العبارة فسنجد أن أصلها يرجع إلى هذا المعنى عندما كان يحكم القضاة في قديم الزمان ويقولون: "براءة وما عليه شيء"، ومن هنا تغير مفهوم واستعمال هذه الكلمة إلا أنه مع تغير العصور ومرور الوقت أصبحت تستعمل بالمعنى وطريقة النطق الحالية لها.
فهل ترك سيارتك لابنك يقتل بها أطفال المسلمين في الشارع جريمة يجب العقاب عليها، أم أنها براءة وما عليه شيء"معلش"؟، وهل السير عكس الاتجاه بسرعة جنونية جريمة أم براءة وما عليه شيء، وهل تدمير مستقبل المسلمين وغيرهم وايذاءالناس عن قصد يساوي كلمة "معلش".
اقرأ أيضا:
كيف تستعد ارمضان من الآن؟.. تعرف على أهم الطرق والوسائلمتى نقبل الاعتذار؟
لنا في خير الناس صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة , إذ نراه يرق لرجل ويكرمه لمجرد أنه عبس في وجهه مرة واحدة - وهو أعمى لم ير ذلك العبوس - بعد أن أنزل الله في شأنه قرآنا معاتبا نبيه صلى الله عليه وسلم , ففي مسند أبي يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: ( جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يكلِّم أبي بن خلف، فأعرض عنه، فأنزل الله: " عَبَسَ وَتَوَلَّى " قال: ( فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه ) , ونجده صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يطيب خاطره وهو الأعمى الذي لا يستطيع القتال , فنجده في غير مرة يوليه الإمارة على المدينة عند خروجه صلى الله عليه وسلم للقتال .
ولنا فيه صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في قبول اعتذار المعتذر , فكان لا يرد معتذرا لما كان فيه من كرم نفس وحسن خلق , ففي موقفه مع حادثة قتل ابنته زينب رضي الله عنها خير دليل على سعة عفوه وعظيم نفسه , فعند هجرتها رضي الله عنها دفعها رجل كان مشركا وقتها وهو هبار بن الأسود , دفعها وهي حبلى فسقطت من فوق بعيرها فأسقطت جنينها ولا زالت مريضة في المدينة بعدها حتى لقيت ربها , فيذكر ابن حجر القصة في الإصابة أن هبار بن الأسود نخس زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرسلها زوجها أبو العاص بن الربيع إلى المدينة فأسقطت , وبعد الفتح يأتي هبار إلى رسول الله ويعتذر إليه فيقول ابن حجر " فوقف هبار فقال: السلام عليك يا نبي الله أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله , ولقد هربت منك في البلاد وأردت اللحاق بالأعاجم ثم ذكرت عائدتك وصلتك وصفحك عمن جهل عليك , وكنا يا نبي الله أهل شرك فهدانا الله بك وأنقذنا من الهلكة فاصفح عن جهلي وعما كان يبلغك عني فإني مقر بسوء فعلي معترف بذنبي , فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " قد عفوت عنك وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام والإسلام يجب ما قبله ".
والمواقف كثيرة في قبول رسول الله للأعذار منها موقفه من مشركي مكة يوم الفتح , وموقفه من ابن عمه أبي سفيان بن الحارث , وكلها مشهورة ومعلومة , وكذلك مواقف اعتذار صحابته لبعضهم البعض كما حدث بين بلال وأبي ذر رضي الله عنهما , وكعفو أبي بكر عن مسطح , ما يدلنا على سمة عظيمة سادت بين هذا الجيل الذي اختصه الله بكل الخير واختارهم الله لصحبة نبيه , فهلا تأسينا بهم ؟!.
وما كانت التوبة إلى الله سبحانه إلا المظهر الأسمى للاعتذار , حين يرفع العبد كف ضراعته إلى ربه نادما باكيا متعذرا يقول كما قال أبواه بعد أول ذنب ارتُكب بين البشر " ( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) , وما كان مَن الله وكرمه ومغفرته إلا أنموذجا علويا لقبول المعذرة من المخطئين التائبين المعتذرين .