ليس من العيب أو الحرام، أن تخبر من تحب بأنك تحبه،بل العكس، فإن ذلك إنما يزيد المودة بين الناس، وهو ما أكدت عليه الشريعة الغراء.
عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم قال : « إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه»، فبذلك إنما يفتح بابًا كبيرًا لأنهار من الحب المتبادل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي».
المتحابون في الله، إنما يكونون في ظل الرحمن في الدنيا والآخرة، ففيالحديث القدسي قال الله تبارك وتعالى: «وجبت محبتي للمتحابين في، وللمتجالسين في، وللمتزاورين في، وللمتباذلين في».
ومما لاشك فيه، أن مشاعر الحب بين المؤمنين تجاه بعضهم البعض ما هو إلا رزق موهوب من الله الوهاب لهم، وهو القائل في كتابِه الكريم: « وَأَلَّفَ بَيْنَقُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (الأنفال: 63).
فكل ما يبذله الناس من علامات الحب بينهم زائلة إذا لم تكن مؤسسة على الحب في الله تعالى، الذيقال في كتابه الكريم: «فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا » (آل عمران: 103).
أما الإيمان، فهو رابط القلوب بالمحبة، قال الله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌحَكِيمٌ » (التوبة: 71).
غير أن ما يؤسف له أن روبط المحبة بين الناس باتت مقطوعة، لأن أسباب هذا الحب زالت، فالحب يعني الإيثار وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك.
يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل، فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه،واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس».
الفرق بين حبك للناس وحبك لله
عزيزي المسلم، اعلم أنه بحبنا للبشر.. سواء بمشاعرنا أو بحزننا منهم.. أو بتقديرنا .. أو باهتمامنا بهم.. أو بوجعنا وألمنا منهم.. أو بعشمنا فيهم.. وبخوفنا عليهم.. وبحسرتنا، وبحرصنا عليهم .. كل ذلك إنما هو مجرد سقف في الأحاسيس والمراعاة والاهتمام والتضحية والعشم والخوف والحب .. لابد ألا يتخطى سقف أحاسيسنا ومشاعرنا ( لله عز وجل ) !.
اضبط شعورك تجاه البشر
الحب.. والثقة.. والعشم .. والرضا .. والخوف .. للبشر شيء.. ولله سبحانه وتعالى شيء آخر تمامًا.
لذا عزيزي المسلم، عليك أن تضبط جيدًا شورك تجاه البشر، مهما كانت قوة العلاقة بينك وبين أحدهم، لأن أي شعور زيادة عن المفروض للبشر ، لاشك سينقلب ضده.. واعلم علم اليقين أن أي وجع في الدنيا فوق احتمالك .. يكون بسبب هذا الخلط.. بين مشاعرك للناس ومشاعرك لله سبحانه وتعالى.. لكنك لو أدركت هذا الأمر، وتعلمت كيف تفرق بين مشاعرك .. حينها سيكون هذا الأمر هو سر حريتك .. وسر عدلك .. وسر قوتك.. لأنك حينها ستعرف كيف توازن بين عقلك وقلبك .. ستعرف كيف تضع حدود للتعاطف .. لن ستهلك نفسك في ( الوسوسة ).
سترى الدنيا أوضح وقراراتك ستكون حاسمة أكثر .. سترى الصح صح، والخطأ خطأ، من غير وهم ولا مبررات ، لن تتهاون في الثواب ولا في العقاب .. طالما في الحق !.
ليست قسوة قلب
التغيير الذي سيطرأ عليك، قد يحسبه البعض قسوة قلب .. لكنها بالتأكيد ليست كذلك..
كل الحكاية أنه استغناء بالله .. تحرُر بالله .. سيجعلك تعيش كل شعور بشكل صحيح وحقيقي .. كما هو من المفترض أن تعيشه وتشعر به.. لأنك حينها ستضع كل شيء في حجمه الطبيعي والحقيقي.. ولكل شخص قدرُّه الحقيقي ودوره الحقيقي.
ساعتها ستستمتع أكثر وتطمأن أكثر وترتاح أكثر .. ستحصل على تحرُر ستعيش فيه صدق مع النفس .. ورؤية أوضح لنفسك .. للناس .. ولحقيقة الدنيا.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله».
وما كان النبي عليه الصلاة والسلام ينصح ابن عباس بهذه النصيحة العظيمة، إلا لأن يعي تماما أن الاستغناء بالله عن الناس، إنما هو الحرية كلها، والراحلة كلها.. لذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألون الله عز وجل في كل أمور دنياهم وآخراهم، حتى كانوا يسألونه في شراك نعالهم، لأنهم فهموا كيفية الاستعانة به سبحانه وأنه القادر وحده على تغيير أي شيء مقدرًا.
حب الناس أعظم معاني التدين
وصف الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، الإسلام بأنه دين الإنسانية، والتي لخصها بقوله، إنها حب الإنسان في ذاته كإنسان، بغض النظر عن دينه، لونه، عرقه، مستواه، مشيرًا إلى أن القرآن هو كتاب للإنسان قبل المسلمين، وهناك سورة فيه تحمل اسم "الإنسان"، وقد وردت فيه كلمة الإنسان 63مرة، وكلمة الناس 340 مرة، وكلمة البشر 37 مرة.
وذهب "خالد"، في حلقة من برنامجه "طريق للحياة"، إلى اعتبار حب الناس "أعظم معاني التدين"، مدللاً بقول النبي: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، موضحًا أن المراد بأخيه هنا كل الناس، فلن يكتمل إيمان المسلم بالله حتى يحب الناس، ولن يحبه تمام الحب حتى يحب صنعته، فإن حب الصنعة من حب الصانع.
مع ذلك، عاب "خالد" على قطاع كبير من المتدينين فى فهمهم الخاطئ لهذه المسألة، فهناك من وصفه بالتدين القاسي ضد الإنسانية، والتدين العنصري، الذي يقوم على عبادة الله بكراهية غير المسلمين، وتدين الكراهية والغل، والتدين الذي لا يحترم تنوع البشر.
وقال الداعية الإسلامى إن مثل هذه الأفكار المغلوطة هي التي تخرج المتطرفين والإرهابيين، فهناك أناس نزعوا الإنسانية من الدين من أجل الصراع والعنف والتطرف، انطلاقًا من قيم الكراهية والعنصرية والمفاهيم الخاطئة عن "الولاء والبراء"، الذي هو في حالة الحرب فقط.
وتحدث "خالد" عن العديد من المواقف الإنسانية في حياة الرسول، ومن ذلك عندما هاجر إلى الطائف، أتاه ملك الجبال وهو حزينًا مهمومًا، بعدما تعرض للأذى والتنكيل، وقال له: "لو أمرتني اطبق عليهم الأخشبين"، لكنه صلى الله عليه وسلم يرد بكل إنسانية: "لا عسى أن يخرج الله من بين أصلابهم من يعبد الله".
وأشار كذلك إلى أنه عندما هاجر النبي إلى المدينة كان دليله في رحلته عبد الله بن أريقط، ولم يكن مسلمًا، لكنها الإنسانية التي جعلت النبي يرى فيه الخير حتى لو كان غير مسلم، لافتًا إلى أنه على الرغم من محاولة اليهود قتله 3مرات، إلا أنه عندما مرت جنازة يهودي وقف النبي لها، فيقول الجلوس: إنها جنازة يهودي، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أليست نفسًا".
وشدد "خالد" على ضرورة إحياء النزعة الإنسانية في الدين، وإعادة الجمال والروح للدين، مهاجمًا التيارات الإسلامية المتشددة، التي قال إنها نزعت الإنسانية من الدين مقابل العنف والصراع والكراهية.
https://www.youtube.com/watch?v=4qySdL52T_E&feature=emb_title