عبادات كثيرة يحرص عليها المسلمون في رمضان وفي غيره لها ثواب كبير، غير أن عبادة الصوم لها أجر خاص اختص الله به ووعد بأن من يصوم يجزل له العطاء.. فلماذا اختص الصوم بهذا الفضل؟ حينما تنظر للصوم تجده عبادة من نوع خاص فإن جانب التزكية والتطهير للنفس والروح ظاهر في فريضة
الصوم؛ فالصائم يظل منكسر القلب رقيق الحال هادئ الطبع فإن قرأ القرآن فدمعته قريبة وإن استمع إليه تأثر به وإن فعل أي فعلا من أفعال الخير فبحب لله ورسوله وهذا قمة الخضوع لله تعالى.
كما أن الصوم عبادة خفية عن عيون الناس يصير فيها العبد هو الرقيب على نفسه وكلما زادت محبته لله حرص على طهارة العلاقة الخاصة بينه وبين الله تعالى وكان شغوفا بالوصول إلى المزيد.. وبهذا صارت هذه العبادة من العبادات التي تحصل التقوى كونها تقوي الباطن وتدعم علاقة العبد بالرب أو علاقة الأرض بالسماء، كلما أنها علاقة تدعم علاقة الروح بالجسد فالجسد فيها يكون طيعا خاضعا للروح مستكينا مستسلمًا للروح الطاهرة التي هذبها البعد عن الطعام والشراب والشهوات.
خصائص الصوم:
وكما اختص
الصوم بالفضل وأن الله تعالى هو من يجزي به دليل على سعة العطاء كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ (فمه) أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. رواه البخاري، ومسلم واللفظ له، فإن الصائمين أيضًا يدخلون من باب مخصوص لا يدخل منه غيرهم هو
باب الريان؛ ففي الحديث: "إن في الجنة بابا يقال له
الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"، والصائمون الذين يدخلون من هذا الباب هم الذين يحافظون على الصوم صوم الفريضة رمضان، وهكذا ما أوجب الله عليهم من صوم الكفارات والنذور، هؤلاء لهم باب؛ باب الريان، يدخلون معه فإذا دخلوا أغلق، وإذا كانوا عندهم أعمال أخرى يدعون من أبواب كثيرة، لكن يدخلون من هذا الباب باب الصيام، والمؤمن الذي يقيم الصلاة ويؤدي الزكاة ويصوم رمضان ويتقي الله يدعى من الأبواب كلها، لكن هذا الباب ما يدخل معه إلا الصائمون الذين حافظوا على أداء الصوم الواجب.
فضائل الصيام:
وبالنظر للحديث الذي جاء في اختصت الله تعال بأجر الصوم نجده يشتمل على فضائل عديدة صار بها
الصوم من العبادات التي لها فضل خاص ومن هذه الفضائل ما يلي:
أن الصائمين يوفون أجورهم بغير حساب، فإن الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد بل يضاعفه الله عز وجل أضعافاً كثيرة. فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، قال الأوزاعي: " ليس يوزن لهم ولا يُكال، إنما يغرف غرفاً ".
-أن الله تعالى أضاف
الصوم إلى نفسه من بين سائر الأعمال، وكفى بهذه الإضافة شرفاً، وهذا والله أعلم لكونه يستوعب النهار كله، فيجد الصائم فقد شهوته، وتتوق نفسه إليها وهذا لا يوجد بهذه المدة في غير
الصيام لا سيما في نهار الصيف لطوله وشدة حره. وترك الإنسان ما يشتهيه لله تعالى هو عبادة مقصودة يثاب عليها، ولأن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فهو عمل باطن لا يراه الخلق ولا يدخله رياء.
-أن الصائم إذا لقي ربه فرح بصومه ؛ وذلك لما يراه من جزائه وثوابه، وترتب الجزاء عليه بقبول صومه الذي وفقه الله له. وأما فرحه عند فطره فلتمام عبادته وسلامتها من المفسدات، وحصول ما مُنع منه مما يوافق طبيعته، وهذا من الفرح المحمود لأنه فرح بطاعة الله، وتمام الصوم الموعود عليه الثواب الجزيل كما قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا.
-أن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وهذا الطيب يكون يوم القيامة لأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال، لرواية أطيب عند الله يوم القيامة مسلم.
كما يكون ذلك في الدنيا لأنه وقت ظهور أثر العبادة لرواية ولخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله من ريح المسك ابن حبان
قال ابن حبان رحمه الله: "شعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقاً بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوفهم أطيب عند الله من ريح المسك ليُعرفوا بين ذلك الجمع بذلك العمل نسأل الله بركة ذلك اليوم." انتهى من "صحيح ابن حبان".
كيف تتحق التقوى بالصوم؟
إن من ينظر للصوم نظرة عابرة كمن يصوم ولا يدري لماذا يصوم وما هي الحكمة من الصوم لا يدرك معنى التقوى وأنها الغاية من الصوم وبهذا لا يحصل فضائل هذه العبادة، فهذه الفضائل لا تكون إلا لمن صام مخلصاً عن الطعام والشراب والنكاح، وصام عن السماع المحرم والنظر عن المحرم والكسب عن المحرم، فصامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور.
فهذا هو الصوم المشروع المرتب عليه الثواب العظيم، و إلا فقد قال النبي ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ: رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر رواه أحمد.