يبحث المسلم في شهر رمضان عما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، ويتوج به عبادته وصيامه وقيامه، من أعمال الخير التي تؤهله للفوز بالجنة، ونيل مغفرة الله عز وجل، وليس أدل على عمل الخير في رمضان من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان إن جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة".
كان شهر رمضان للنبي صلى الله عليه وسلم موسماً من مواسم الخيرات و القربات و التنافس في اكتساب الحسنات والتسابق في رقي الدرجات كان له هذه المزية من الجود النبوي الذي صوره لنا هذا الحديث .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الناس عبادة لربه سبحانه وتعالى يجود في رمضان بثلاثة أشياء هما:
العبادة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في عبادته في رمضان أكثر من أي شهر، رغم كمال عبادته في العام كله، ولكنه كان صلى الله عليه وسلم يعتبر رمضان موسم من مواسم العبادة و الطاعة , ولهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يعطيه مزيد أهمية فيكثر فيه من الطاعات و العبادات حتى أنه في ثلثه الأخير يتفرغ لعبادة ربه و مناجته فيعتكف في تلك الليالي المباركة في مسجده تقرباً إلى الله تعالى.
وكان النبي يجعل له وردا مطولا من قراءة القرآن والقيام وذكر الله و الدعاء و العمرة و الصدقة كل ذلك من العبادات و الطاعات التي هي من مظاهر الجود و غنى النفس بالعبادة.
اظهار أخبار متعلقة
القرآن:
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة القرآن في شهر رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وكان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان يدارسه القرآن.
لذلك رمضان فرصة عظيمة للنهل من معين القران الكريم قراءة و حفظاً و تدبراً ، لقد أنزل القرآن في هذا الشهر العظيم (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)..
ومدح الله تعالى شهر الصيام من بين الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه, ثم مدح الله تعالى القرآن الكريم بأنه هدى لقلوب العباد و بينات، أي دلائل و حجج بينة واضحة جليلة لمن فهمها و تدبرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال و الرشد المخالف للغي مفرقاً بين الحق و الباطل والحلال و الحرام.
الزكاة والصدقة:
كان صلى الله عليه و سلم كريماً معطاءً , يجود بالمال والعطاء بفعله و قوله يعطي صلى الله عليه و سلم عطاء من لايخشى الفقر ، قال الله تعالى( من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) { البقرة / 245 }.
قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان , فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً,ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا).
وجاءت الزكاة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة تدل على مدلولات أوسع من المعنى الاصطلاحي لدى الفقهاء.
فدل القرآن على أن الزكاة ليست مجرد إعطاء الفقير من مال الغني، ولكنها تعني النماء والزيادة، وسميت بذلك لأن المسلم حين يخرج زكاة ماله؛ يرجو معها أن يزكو ماله ويزداد، ولهذا قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (التوبة/ 103)، فهي في الشرع أيضا زيادة ونماء وطهارة.
وعلل بعض العلماء كون الزكاة زيادة ونموا لأنها تنمو ببركة الله تعالى بعد إخراجها.
ومن جميل معانيها أنها تعني الصلاح، والتقوى، ولعل إخراج الزكاة تكون سببا في صلاح الإنسان، وهي تدل على تقواه، فمع كون الإنسان يحب المال؛ إلا أنه يخرج المال الذي تعب في تحصيله، وذلك من تقوى الله.
وسميت الزكاة صدقة؛ لعدة أسباب:
أولا– لأنها دليل على صدق إيمان العبد، كما قال الإمام ابن العربي المالكي: ” إنّما سمّيت الزكاة صدقة، لأنّه مأخوذ من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد”.
ثانيا– وقيل: سميت الزكاة صدقة؛ لدلالتها على صدق العبد فى العبودية.
ثالثا– قيل: إن تركيبها يدل على قوة في الشيء قولا وفعلا وسمى بها ما يتصدق به لأن بقوته يرد البلاء.
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبينمعاني الزكاة في القرآن
للزكاة دلالة أوسع في استعمالات القرآن الكريم، فجاءت بمعنى الحلال: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً} .
الحُسْن واللطافة: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أَى ذات جمال.
الصّلاح والصِّيانة: {أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً} أَى صلاحاً.
النبوّة والرسالة: {لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً} ، أَى رسولا نبياً.
الدعوة والعبادة: {وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة} .
الاحتراز عن الفواحش: {مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} .
الإِقبال على الخدمة ( أي الطاعة): {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} .
الإِيمان والمعرفة: {الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة} أَى لا يؤْمنون.
التوحيد والشِّهادة: {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى} .
الثناءِ والمَدْح: {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ} .
النَّقاءِ والطَّهارة: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} .
التَّوْبة من دعوى الرّبُوبيّة: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} .
أَداءِ الزَّكاة الشرعية: {وَآتُواْ الزكاة} ، {وَيُؤْتُواْ الزكاة} . انتهى
فالمسلم حين يدرك أن الزكاة عطاء له في حقيقتها؛ يقبل عليها في حين يعطي غيره منها، ويعلم أن الحكيم الخبير حين أمره، أو حثه على إعطاء غيره؛ فإنما هو في الحقيقة صون للنفس، وإعطاء لها من جهة أخرى، وذلك من فضل الله تعالى، بل هو عند العاقل وسيلة لحب المال، فمن أحب المال حقا؛ فعليه تزكيته وإعطاء جزء منه لغيره.
كما أنه يتعلم من معاني الزكاة المتعددة في حياته وسلوكه، فتكون الزكاة في حياة المسلم واسعة الدلالة، ومنهج للإصلاح والتغيير إلى الأفضل.