يتصور البعض للأسف أنه بذكائه يستر نفسه، ولا يفضح أمام الناس في عمل ما أو جرم ما، فتراه يأتي بعد فترة من الوقت، ويروي ما فعل أمام الناس وهو يؤكد على ذكائه في أنه ضلل الجميع، ولم يكشفه أحد.. بينما هو يغيب عنه أن الله فقط لم يرد أن يفضحه عله يعود لرشده، لكنه سبق وفعل العكس تمامًا، وخرج يفضح نفسه أمام الناس، متباهيًا بما فعل، وينسى أنه بذلك يجهر بذنبه، فعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه».
راجع عيوبك
إذن عزيزي المسلم، إياك والظن بأن ذكاءك وعلمك هما السبب في عدم كشف عيوبك أمام الخلق، فلولا ستر الخالق لافتضح أمرنا، وساءت بين الخلق سيرتنا، فلنراجع علاقتنا مع الله، ولنحمد الله على الستر ولنكثر من سؤاله العفة والعفاف والعافية، فالستر لاشك نعمة عظيمة، لو كشفها الله عنا لافتضحنا، ولما نظر أحدنا إلى وجه أخيه، ولعمت العداوة والبغضاء بين الخلق أجمعين.. وفي ذلك يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «اعلم أن الناس إذا أعجبوا بك فإنما يعجبون بستر الله عليك»، ولو أن الله نشر ما ستر لما نظر أحد إلى أحد، ولما استمع أحد إلى أحد… ولما لا والستر من نعم الله السابغة كما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما، التي ذكرت في قوله تعالى: «وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة».
اقرأ أيضا:
قبل أن تتحول نعمتك وتزول عافيتك.. كيف تجلب بيدك النقمة إليك؟أهم نعمتين
أوتدري عزيزي المسلم، أنك تبات وتصحو في نعمتين دائمتين، تنسى دائمًا أن تحمد الله عليهما، لذا فقد قيل لـ ذي النون رحمه الله: كيف أصبحت؟ قال: بين نعمتين عظيمتين لا أدري على أيتهما أشكر: أعلى جميل ما نشر، أم على قبيح ما ستر، وما ذلك إلا لأن الستر على العباد صفة من صفات الله عز وجل، فهو سبحانه الستير ، وهو صيغة مبالغة على وزن فعيل، أي أنه شديد الستر على خلقه. ففي الحديث: «إن الله عز وجل حيي ستير، يحب الحياء والستر»، وهو أيضًا سبحانه يستحي من رد عبده إذا طلب شيء، كما في الحديث النبوي: «إن الله حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا»، فما أكرمه سبحانه وما أحلمه على خلقه، إن سألوه استحى أن يردهم، وإن عصوه استحى أن يفضحهم.