يسير الإنسان في الدنيا تتعثر خطاه يقوم أحيانا وقع أحيانا أخرى يحسن ويسيئ هكذا حال معظم الناس .. وليس عيبا أن يخطئ الإنسان لكن العيب أن يظل هكذا دواليك لا يرجع للصواب ولا ينتبه من غفلته.
إن من علامات صلاح العبد أن يسعى لإصلاح باطنه كما يسعى لإصلاح ظاهره فلا يهتم بما يسعد الناس ويكون قلبه خاويا من الإيمان بل الأصل صلاح الباطن وبه ومنه ينطلق للناس، والله سبحانه وتعالى يعلم السر والجهر، وما أخفى العبد وأظهر؛ فليس شيء في القُلُوبُ يَخْفَى عَلَى عَلاَّمِ الغُيُوبِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى}(طه:7 )، ويقول: {والله يعلم ما تسرون وما تعلنون}(النحل: 19).
إن من ينشغل بتزيين ملابسه وتعطير بدنه وتحسين هيئته لا يضام ولا يلام إلا إذا كان قلبه فارغا من حب الله، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن الظاهر لا بد له من باطن يحققه ويصدقه ويوافقه"؛ إ ذ الأصل في المؤمن الصادق أن تستوي سريرته وعلانيته، وظاهره وباطنه، كما قال يزيد بن الحارث: "إذا استوت سريرة العبد وعلانيته فذلك النَصَف، وإن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل، وإن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور.
ومن ينظر للإسلام يجد دعواه للتوازن ظاهرة ليبدو المجتمع مجتمعا طاهرا نقيا نظيفا طيبا، ولكنه أيضا اهتم أكثر بنقاء الباطن وجعل عليه المعول، فغالبا ما يكون صفاء الباطن داعيا ومؤديا إلى صلاح الظاهر فالارتباط بينهما لازم، منها بين ابن تيميه أن الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة؛ فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورًا وأحوالاً.
ولو ساغ عقد مقارنة بين الظاهر والباطن لكن لصلاح الباطن النصيب الأوفى والحظ الأوفر إذ هو محو الانطلاق واساس التقدم والرقي؛
فالقلب إن صلح صلحت الجوارح " ألا إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي
القلب" يقول مالك بن دينار: "
القلوب كالقدور، والألسنة مغارفها، فإذا تكلم العبد فاسمع ما يقول فإنما يغترف لك لسانه من قلبه".
مظاهر الصلاح:
ومن يتأمل يجد أن صلاح الظاهر يقوم على أمرين: حسن الخلق وصلاح العمل وبهما يحمد الفرد ويؤلف ويحب وبدونهما يشقى ويكره ويذم.
أما صلاح الباطن فيكون بصفاء
القلب ونقائه، ونظافته وطهارته من كل ما يعيب في النية أو الاعتقاد، أو فيما يبطنه الإنسان من سريرة، أو يكون في قلبه من مرض أو حسد أو ضغن فهو إذا بمثابة الأرض التي يزرع فيها ولا يصلح نبت إلا في أرض عامرة لذا سعى الإسلام لصلاح القلوب.
كيف أصلح باطني؟
وإصلاح الباطن إنما يكون بجعل الله للمؤمن وسائل وأسبابا تعينه على تنقية قلبه.. ويكون ذلك
بالدعاء وقد كثرت أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال ربه سلامة قلبه ونظافته وطهارته، كما صح عنه أنه كان يدعو ويقول: [وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا]، [وأسألك قلبا خاشعا]، ويستعيذ به من قلب لا يخشع، كما يكون بمراقبة أحوال نفسه، والعلم بأنه محط نظر الرب سبحانه، فَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: (إنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلاَ إلَى أَمْوَالِكُمْ، ولكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وَأعْمَالِكُمْ".
فضائل إصلاح الباطن:
إن من يعكف على إصلاح باطنه يكفيه الله هم إصلاح ظاهره فمن أصلح سره أصلح الله علانيته، وهي وصية كان العلماء يوصي بعضهم بعضا بها؛ كما جاء عن سفيان الثوري، وابن عون، ومعقل بن عبيد الله الجزري أنهم قالوا: "كان العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات، وإذا غابوا كتب بعضهم إلى بعض أنه: من أصلح سريرته أصلح علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه".