عمد بعض المتجرئين من صغار الصحفيين والباحثين في الآونة الأخيرة، على تسييس خلافات الصحابة، واتخاذها ذريعة للطعن في دينهم، من خلال الإلحاح بين والحين والأخر على فتح بعض قضايا الفتن بين كبار الصحابة، مثل فتنة الخلاف على البيعة بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان، ومقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه، والطعن في ذمته وفترة حكمه من خلال اتهامه بمحاباة أقاربه، والإسراف في تخصييص ما يكفيه من بين مال المسلمين، فضلا عن اتهام كبار الصحابة وعلى رأسهم أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب في انتزاع الحكم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عصبية لقريش على حساب الأنصار من أهل المدينة.
ومعرفة قدر الصحابة وما لهم من شريف المنزلة وعظيم المرتبة من أولى المهمات المتعلقة بصلاح العقيدة واستقامة الدين، ولذا كان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون في ذلك فضلهم وفضائلهم وأثرهم وآثارهم، مع الدفاع عن أعراضهم وحماية حياضهم؛ إذ الدفاع عنهم دفاع عن رسول الله ، فهم بطانته وخاصته، ودفاعا أيضا عن الإسلام، فهم حملته ونقلته.
يقول الطحاوي رحمه الله في "العقيدة الطحاوية": "ونحبّ أصحاب رسول الله ، ولا نفرّط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
تحريم سب الصحابة بنص القرآن:
قال - تعالى -: ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا)) [الفتح: 18].
وقوله - تعالى -: ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل …)) [الفتح: 29].
وفي قوله - تعالى -: ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون …. والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنك رؤوف رحيم)) [الحشر: 8 ـ 10].
وقال - تعالى - : ((تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)) فنحن أمرنا بالاستغفار لهم، ولم نؤمر بالحكم عليهم، ولا نسأل عما شجر بينهم.
وقال - تعالى - : ((لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى)) والحسنى: هي الجنة.
وقال - عز وجل - : ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار)).
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنبتحريم سب الصحابة في السنة:
أخرج مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها)).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال في تلك الآيات: الناس على ثلاث منازل: فمضت منزلتان، وبقيت منزلة واحدة: فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت يقول: أن تستغفروا لهم.
أخرج مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((أُمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم)).
وعن مجاهد ابن عباس قال: لا تسبوا أصحاب محمد، فإن الله قد أمر بالاستغفار لهم، وقد علم أنهم سيقتتلون.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ((أكرموا أصحابي فإنهم خياركم)).
ودلت السنة النبوية المطهرة على تحريم سب الصحابة والتعرض لهم بما فيه نقص وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم من الوقوع في ذلك لأن الله - تعالى - اختارهم لصحبة نبيه ونشر دينه وإعلاء كلمته.
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفة)).
و روى الحافظ الطبراني بإسناده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تسبوا أصحابي، لعن الله من سب أصحابي)).
وقد روى الحافظ الطبراني من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا)) أي إذا ذكر أصحابي بما شجر بينهم في الحروب فأمسكوا وجوبا عن الطعن فيهم.
و روى الإمام أحمد بإسناده إلى جابر بن سمرة، قال: خطب عمر الناس بالجاذبية، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام في مثل مقامي هذا فقال: ((أحسنوا إلى أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)).