الزمن هو حيز الوقت الذي تمر به لأفعال والأحداث من بدايتها إلى نهايتها، فحياة الإنسان ما هي إلا رحلة عبر الزمان، وقد خلق الله الزمن منذ خلق السموات والأرض بحيث لا نراه، وهذا المخلوق(أي الزمن) يشمل الماضي والحاضر والمستقبل.
ولو تأملنا الكرة الأرضية فسوف نكتشف انها تضم الماضي والحاضر والمستقبل معاً.. بل انها تقع في الوقت نفسه. إن اختلاف التوقيت خير دليل على ذلك. إن هناك فروقا في التوقيت بين نصفي الكرة الأرضية، ففي الوقت نفسه الذي تشرق فيه الشمس على نصف الكرة الذي يواجهها وفي نفس الوقت الذي يكون فيه النهار مستقبلا لم يشرق بعد، وفي الوقت نفسه يكون نهار النصف الثاني قد صار ماضيا ودخل الليل وأصبح الليل هو المستقبل. أي أن النهار والليل يولدان معاً في الوقت نفسه، وفي مكانين مختلفين هما في الحقيقة وجه مكان واحد هو الكرة الأرضية.
يقول عبد الغني عبد الرحمن محمد مؤلف كتاب «الزمن بين الدنيا والآخرة» إنه قبل خلق الانسان قسم الله الزمن من ليل ونهار بواسطة الشمس والقمر وحركة الأرض اليومية الأولى حول نفسها لخروج الليل والنهار، والحركة اليومية الثانية للأرض حول الشمس لإيجاد الفصول الأربعة واحداث الشهور والسنوات، إن الزمن كالدائرة.. لا تعرف من أين بدأ ولا أين ينتهي.. إن أي نقطة من الدائرة تصلح بداية وتصلح في الوقت نفسه نهاية.
ويوضح المؤلف ان الزمن مخلوق لا يرى مثل عالم الملائكة والجن.. وأن السبب في وجود الزمن هو خلق الانسان لعبادة الله الخالق العظيم، واعطاء الانسان فرصة زمنية لهدايته وعبادة الله في فترة زمنية محدودة وهي عمره، ويتساءل الكاتب قائلا: هل أعطي الله حقه من العبادة اليومية وهي الصلوات الخمس، والعبادة الاسبوعية وهي صلاة الجمعة، والعبادة الشهرية وهي صيام شهر رمضان وإقامة المناسك الدينية مثل الاعياد، ثم العبادة السنوية وهي الحج الى بيت الله في مكة المكرمة ان الزمن هنا يعتبر فترة اختبار «عمل» للإنسان فمعظم البشر لا يشعر بعمره إلا عندما يكبر ويهرم وهذا خطر.. فعند نضوجه الجسماني والعقلي والفكري يجب ان يفكر بإمعان لماذا وجدت في هذه الحياة؟
وداخل الكتاب نطالع تعليقا للداعية الراحل الشيخ متولي الشعراوي على موضوع الكتاب يقول فيه ان من تمام الخلق ان يخلق الله سبحانه وتعالى يوماً مقداره الف سنة، فإن الله يخلقه بكلمة «كن» حتى يناسب ذلك اليوم المهام التي خلق من أجلها، والاحداث التي ستقع فيه. فإذا كنا محتاجين الى فترة زمنية تستغرق أحداثاً ليوم مقداره خمسون ألف سنة خلق الله لها يوماً مقداره خمسون ألف سنة، وهكذا.
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى ثلاثة أبواب تناول في الباب الأول التعريف اللغوي باليوم وفلسفة الزمن واكتشاف الزمن وكيف يتكون اليوم ومعرفة الوقت عند قدماء المصريين والعرب وكيف تكون التقويم الميلادي واليوم بين الفرد والجمع واليوم والاعياد الرسمية. أما الباب الثاني فتطرق الى اليوم في القرآن الكريم وفي بعض الاحاديث النبوية ومن أقوال الحكماء وفي الامثال العامية ومن الرؤيا المنامية، وفي الباب الثالث تحدث عن اليوم وخلق السماوات والأرض واليوم وخلق الليل والنهار وعدد السنين والحساب واليوم وصوم رمضان والأيام المحببة للصوم واليوم ويوم الحج الأكبر واليوم وخروج النار من ارض الحجاز واليوم وعذاب القبر. وتطرق في فصول الكتاب إلى كيفية تلون التقويم الميلادي، كما تناول اليوم وعائلته بين المفرد والجمع، وأفرد الفصل الثامن للحديث عن اليوم والأعياد الرسمية.
وأشار المؤلف إلى ان جمع يوم واحد هو أيام وأيام الله تعالى معناها نعمة، وأن عائلة اليوم هي «زمن» و«قرن» و«دهر» و«أمد» و«حين» و«شهر» وأورد الكتاب سجلاً للاستخدامات اللفظية لليوم وعائلته باللغة الانجليزية.
والزمن شيء ليس له معنى إلا في وجود أحداث تميزه تماماً كالألوان التي لا نستطيع ان ندركها وغيرها إلا في وجود العين المبصرة، وأن مجرد تصور ماض وحاضر ومستقبل هو الذي يوحي الينا بمرور الزمن وكأنه سلسلة من الاحداث المتتابعة. ولولا الذاكرة التي حباها الله للانسان لكي نعيش فيها الاحداث التي نواجهها لما احسسنا بمرور الزمن.
أما بالنسبة للميت فإن أهل العلم يقولون إنه لا يشعر بمرور الزمن إلا شيئا يسيرا، بل شعور الميت بذهاب الوقت أقل من شعور النائم به، يقول ابن عثيمين رحمه الله: اعلم أن الزمن بالنسبة للميت يذهب سريعاً كأنه ليس بشيء، أمات الله رجلاً مائة عام فلما بعثه قال: قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ وهي مائة سنة. كذلك أهل الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، وهو نوم، والنوم ليس كالموت، الموت أسرع في ذهاب الوقت، وهؤلاء الأموات الذين ماتوا لهم منذ سنين طويلة تجدهم كأنهم ما مرت عليهم دهور طويلة، كأنهم الآن ماتوا، قال الله تعالى: فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا.
أما بالنسبة لمقدار اليوم عند الخالق عز وجل فإن الآيات الواردة في بيان ذلك نوعان :
النوع الأول : آيات تتحدث عن يوم القيامة وهوله ، وما يكون فيه من أحداث عظام ، وآيات باهرة ، وأنَّ مِن أهواله طول ذلك اليوم بما يعادل خمسين ألف سنة من سني الدنيا ، وهذه الآية هي الآية الرابعة من سورة المعارج ، حيث يقول الله عز وجل : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ . لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ . مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ . تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا . إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا . وَنَرَاهُ قَرِيبًا . يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ . وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ . وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ) المعارج/1-10.
ويدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ )
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :
" هذا يوم القيامة ، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة " انتهى.
والنوع الثاني : آيات لا تتحدث عن طول يوم القيامة ، وإنما تتحدث عن طول الأيام التي عند الله عز وجل ، وقدرها بالنسبة لأيام الدنيا التي نعدها ، وهي الأيام التي يحدث الله فيها الخلق والتدبير ، فبيَّن سبحانه وتعالى أن اليوم عنده يساوي ألف سنة من أيامنا هذه ، وقد جاء ذلك في سورة الحج ، في الآية السابعة والأربعين ، حيث يقول تعالى : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ )
وجاء أيضا في سورة السجدة ، في الآية الخامسة ، حيث يقول عز وجل : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ . ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) السجدة/4-6.
ويظهر واضحا من سياق الآيتين هنا أن الحديث فيها عن أيام الله التي يكون فيها خلقه وتدبيره ، فوصفها عز وجل بأن مقدارها يبلغ ألف سنة من أيام الدنيا .
وبهذا يتبيَّن أن النوعين السابقين من الآيات إنما تتحدث عن " أيام " مختلفة، وليست " أياما " واحدة ، فاليوم في آية المعارج هو يوم القيامة ، ومقداره خمسون ألف سنة ، وأما اليوم في آيتي الحج والسجدة فهو اليوم عند الله الذي يدبر فيه الأمور ، ومقداره ألف سنة .
ويدل على ذلك التفريق بين اليومين ما رواه عبد الله بن أبي مليكة : أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله عز و جل : (و إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) فقال : من أنت ؟ فذكر له أنه رجل من كذا و كذا ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال الرجل : رحمك الله إنما سألتك لتخبرنا . فقال ابن عباس : يومان ذكرهما الله عز و جل في كتابه ، الله أعلم بهما .
اقرأ أيضا:
الفرق بين الكرم والسفه.. بطون المحتاجين أولىاقرأ أيضا:
لو عايز تبقى مع النبي في الجنة.. داوم على هذه الأمور تكون رفيقًا له