قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ” رواه مسلم في صحيحه.
وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترُجَّة، ريحها طيِّب وطعمها طيِّب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيِّب وطعهما مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر“وفي رواية:”مثل الفاجر” بدل المنافق رواه البخاري في صحيحه.
فالمؤمن حافظ كتاب الله في قلبه منور بخير الكلام، فكلام الله أفضل الكلام وأجمل الكلام وأبلغ الكلام وأعذب الكلام، والقرآن الكريم هو المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، فهو عبارات عن كلام الله تعالى وتقدس وجل وعلا الذي لا يشبه كلامنا ليس صوتًا ليس حرفًا ليس لغة، ليس مبتدأ ليس مختتمًا، فالقرآن الكريم ليس من تأليف جبريل عليه السلام ولا من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو كلام الله بمعنى أنه عبارات عن كلام الله أنزله الله على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام.
دعاء حفظ القرآن
ذكر الحافظ المنذري في كتابه ” الترغيب والترهيب ” حديثا مؤدّاه أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه صلاة أربع ركعات ليلة الجمعة في كل ركعة سور مخصوصة وبعدها يدعو بدعاء مخصوص. ويفعل ذلك ثلاث جُمع أو خمسًا أو سبعًا، فنفذ عليٌّ الوصية فوهبه الله الحفظ.
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نصح علي بن أبي طالب فَقَالَ: "يَا عَلِيُّ سَأُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يُثْبِتْنَ الْقُرْآنَ فِي قَلْبِكَ، قُلِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ مَعَاصِيكَ أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي، فَارْحَمْنِي بِتَرْكِ مَا لَا يَعْنِينِي، وَ ارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي، وَ أَلْزِمْ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَ أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ مِنِّي.
اللَّهُمَّ نَوِّرْ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَ أَطْلِقْ بِهِ لِسَانِي، وَ اشْرَحْ بِهِ صَدْرِي، وَ اسْتَعْمِلْ بِهِ بَدَنِي، وَ أَعِنِّي عَلَيْهِ إِنَّهُ لَا يُعِينُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْتَ".
ــ قال علي عليه السلام ــ فَدَعَوْتُ بِهِنَّ فَأَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْقُرْآنَ فِي صَدْرِي.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه“رواه البخاري في صحيحه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:“من خشي أن ينسى القرآن بعد حفظه، والعلم بعد درسه فليقل: اللّهم نوِّرْ بالكتابِ بَصَري، واشرَحْ بهِ صَدْرِي، واسْتَعْمِلْ بهِ بدَني، وأطْلقْ بهِ لساني، وقوِّ بهِ جَناني)يعني قلبي(،واشرَحْ بهِ فَهمي، وقوِّ بهِ عَزْمي، بِحوْلِك وقوَّتِك، فإنهُ لا حولَ ولا قوةَ إلا بكَ يا أرحمَ الراحمين“.أخرجهُ الطبرانيُ في المعجم الكبير.
اقرأ أيضا:
أذكار وتسابيح كان يداوم عليها النبي كل صباحمن وصايا حفظ القرءان:
1-احفظ من مصحف واحد: إن العين كالعدسة المصورة تلتقط ماتراه فيثبت في الذاكرة أحيانًا بلا زيادة ولا نقصان، فلذا يجدر بمن يحفظ أن يتخذ المصحف الذي يديم الحفظ منه، ولذا كثير من الحفاظ إذا قرؤوا القرآن عن ظهر قلب جاءت في ذاكرتهم عن طريق التذكر للصحيفة التي وقعت عليها وقت الحفظ، فيسهل التذكر والقراءة لما حفظ من قبل، ولذا حينما ينسى القارئ آية يتذكر صورة الصحيفة وأين موقع هذه الآية، فيسهل تذكرها.
2-طريقة الفهم والتفهم: قال تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}سورة يوسف/2.
إن من عظمة القرآن أنه جاء بلسان عربي مبين، وعلى رسول عربي صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، في أمة أمية برعت في اللغة مع أميتها، لأنها أمة تفهم وتملك الفطنة والدهاء والذكاء.
فلكي يسهل حفظ القرآن ينبغي للطالب أن قرأ السورة ويفهمها على العموم مع الاستعانة بتفسير مختصر معتمد يقرؤه على عالم ويأخذه بالتلقي، ثم المطلوب التركيز على ما ينوي حفظه من الآيات، وفهم مضمون الآيات وموضوعها فهمًا ميسرًا بسيطًا، ثم بعد ذلك يقفل المصحف ويتدبر ما قرأ فهمًا وتفهيمًا لنفسه أو لغيره من إخوانه أو أولاده، بعد ذلك يركز في الحفظ بالطرق المذكورة الأخرى.
3-طريقة التلقي والترديد:
قال الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}سورة الإنسان/23-24-25.
وقال تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}سورة القيامة/16-17-18.
لذلك المطلوب من الذي يبغي حفظ القرآن أن يداوم على ترداده في حلّه وترحاله ومشيه وسكونه وليله ونهاره وفي صلاته وغير ذلك.
4-طريقة اللوح وذاكرة اليد.
قال تعالى:{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}سورة القلم/1، وقال تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}سورة العلق/1-5.
فالقلم له شأن عظيم، لأنه أداة العلم وسلاحه، وهو أحد اللسانين، فبه خطت الكتب السماوية وكل العلوم البشرية، فسبحان الذي علم الإنسان مالم يعلم.
يحسن لطالب الحفظ أن يسطر ما يحفظه على لوح ويكرر حفظه ثم يمحوه، وتمكن الكتابة بالطباشير على لوح أسود كالألواح التي يستعملها طلاب العلم في الكتاتيب، وهذه الألواح يكتب عليها الطالب ويمحو ماكتب بخرقة قماش، وهذه ييسر على الطالب الاسترسال في الحفظ مع اختبار نفسه بنفسه، وفي ذلك تنشيط للذاكرة مع الارتباط باليد التي تعودت على الشكل والتشكيل ( على رسم الحروف وشكل حركاتها ).
5-طريقة التسميع.
إن من يبذل الجهد في سبيل الدعوة إلى الله، ومن يبذل الجهد في سبيل حفظ القرآن، وكل من يبذل الجهد لنشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبذل الجهد بمكارم الاخلاق، كل هؤلاء وغيرهم من الصالحين الموحدين، لا شك أن الله يهديهم ويصلح بالهم ويوفقهم ويرحمهم في الدنيا والآخرة.
فحينما يسمع حافظ القرآن ويبذل الجهد في الحفظ والتسميع، لا بد وأن الله يمن عليه بالحفظ المتين، ويفتح عليه فتوح العارفين.
6-طريقة ذكر ماتحفظه في الصلاة.
قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}سورة فاطر/29.
إن الصلاة نور، وحينما يقف العبد لطاعة مولاه فإنه يكون قريبًا من نور الله المعنوي، وأقرب ما يكون وهو ساجد، لذا حينما يصلي ويقرأ ما حفظ من القرآن فإنما قلما ينسى مايحفظ، لأن القراءة بإخلاص تزيد المؤمن تقربًا إلى مولاه قربًا معنويًا ، كما أنها أدْعى لتثبيت الحفظ.
ومعلوم أن من أعظم الصلوات أجرًا بعد الفريضة رواتب الصلوات ثم قيام الليل، فإنه دأب الصالحين، ومن أراد الثواب الجزيل فليكثر من قيام الليل، فإنه نور للقبر ونجاة من عذابه، ويكسو الوجه نور على نور. فلا تدع ياأخي قيام الليل، ودعك من السهر أمام التلفاز.
7- قال تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}سورة العلق/1-5.
فلو تصورنا أنك يوميًا تحفظ خمس آيات لمدة خمسة أيام من الأسبوع مع مراعاة المراجعة والتثبيت بقية الاسبوع فإنك ستحفظ بعون الله في السنة كالآتي.
خمس آيات في خمسة أيام في أربعة أسابيع في اثني عشر شهرًا= 1200 آية.
فيكون محصلة مايحفظه الطالب في السنة 1200 أية وبذلك يحفظ الطالب القرآن كله خلال خمس سنوات، مع مراعاة أن هناك آيات وسورًا أقصر من سور وآيات، بمعنى أننا لو ركزنا بعون الله على طفل عمره خمس سنوات على حفظ خمسة في خمسة فإنه في سن العاشرة سيكون قد حفظ القرآن كله.
مع مراعاة أن ذلك أمر سهل وميسر ويعطيك فرصة للمراجعة والتثبيت، وعدم منعك من السعي في مصالحك وأعمالك.
8-طريقة الإنصات والتدبر.
قال تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}سورة الأعراف/204.
إن الإنصات يعني الإصغاء بانتباه، وإن القرآن نور يغمر من يفسح له الطريق، وغيث لمن يتلقاه ويحفظه ويثبته في الذهن.
اقرأ أيضا:
الاستغفار ينقي الظاهر والباطن تعرف على ثمراته