كان عبد الله بن جدعان أحد سادةبني تيم، وكان لماله وقوته ما جعل قبيلته بني تيم في حياته كأهل بيت واحد يطعمهموينفق عليهم، وكان يذبح في داره كل يوم جزورًا، وينادي مناديه: من أراد الشحمواللحم فعليه بدار ابن جدعان، وكان يطهى عنده الفالوذج فيطعمه قريشًا ويرسل إلىبصرى الشام فيحمل إليه البُّر والشهد والسمن، وجعل ينادي منادٍ: «ألا هلموا إلىجفنة عبد الله بن جدعان.» وقد مدحه أمية بن أبي الصلت، وكان ذا شرف وسن وممنحرَّموا الخمر على أنفسهم، وإن صحب بعض بني عبد شمس. ولكن تحريمه الخمر على نفسهلم يكن لفضيلة فيه كفضيلة الكرم، وإنما لأنه كان مدمنًا فشرب ليلةً ورأى القمر فمديده ليقبض على ضوئه ويمسكه فضحك منه ندماؤه ثم أخبروه بعد ذلك حين صحا؛ فأقسم أنلا يشرب شيئًا يُذهب عقله ويُضحك به من هو أدنى منه ويحمله على أن يعقد على كريمتهلمن لا يريد! وبر بقسمه شأن العاقل الشريف.
وكان الرسول يعرف عبد الله بن جدعان معرفة حقًّا؛ لأنه شهد معه حربالفجار. وكان عبد الله قائدًا على أحد الجناحين، وحديث الرسول يؤيد ما رُوي منأخبار جود عبد الله وكرمه نهارًا وليلًا، وقد يقبل الغلمان بدعوة المنادي وفيهم منأهل الشرف والبيوت الكريمة.
وعرف ابن جدعان كيف يمحو السيئات بالحسنات وكيف يؤلف القلوب بالكرم ويطلق ألسنة الشعراء بالثناء، وختم حياته بمعاهدة شبه دولية غايتها نصفة المظلوم وحفظ الحقوق وصيانة السمعة المكية بين القبائل. ولعل هذاالجانب الاجتماعي والنزعة الإنسانية هما اللذان حبباه إلى رسول الله؛ فقد روتعائشة أنها قالت للرسول: كان ابن جدعان يطعم الطعام ويقري الضيف ويفعل المعروف،فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟.
كانت أم المؤمنين السيدة عائشة ذكية وتنتهز الفرصة للاستنارة في كلصغيرة وكبيرة. وكثيرًا ما يخطر ببال الناس هل الخير الذي يصنعه الناس بغير دافع منالدين ينفعهم في آخرتهم؟
ولا يكون الجواب واضحًا أو مقنعًا في كثيرٍ من الأحوال تبعًا لشخصالمسئول وعقله. والحديث صحيح؛ فقد رواه مسلم. قال رسول الله: لا (أي لا ينفعه برهيوم القيامة)؛ لأنه لم يقل ساعة من ليل أو نهار: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. لقدكان عبد الله — وكنيته أبو زهير — مشركًا، وأدرك البعثة ولم يسلم. ولنا أن نسأل لمعدل رسول الله عن قوله: لأنه لم يؤمن بي أو لم يكن مسلمًا، واكتفى بتخصيصالاستغفار من الخطيئة؟ ألو قالها مشرك محسن نفعته؟! أولم يقلها عبد المطلب وأبوطالب؟!.
اقرأ أيضا:
وصايا الحكام لولاتهم.. ممن حذر عمر بن الخطاب؟اقرأ أيضا:
قبل أن تسخروا من "ابن أمه".. هؤلاء العظماء ربتهم أمهاتهم