الهجرة النبوية الشريفة لم تكن مجرد حدثٍ عابرٍ، بل كان حدثًا مهمًّا غيَّر وجه التاريخ، فقد كانت الهجرة علامة فارقة بين حال الضعف والقوة، والقلة والكثرة، والانحصار والظهور والانتشار.
وكان لهذا الحادث آثار عظيمة على المسلمين والإنسانية كلها، فبالهجرة بدأت حضارة الإسلام في الظهور والازدهار، حضارة قامت على أساس الحق والعدل والحرية والمساواة.
معاني الهجرة دروسها وعبرها معين لا ينضب بل ويوجب على الجميع أن يتعلم منها الدروس والعبر، ويأخذون منها العظات، ويسترشدون بها في سيرهم إلى الله تعالى.
وفي هذا السياق المبارك قال الشيخ الدكتور بندر بليلة ، إمام وخطيب المسجد الحرام، إنه لما استَحْكَمَ البلاءُ على العُصْبةِ المؤمنةِ بمَكَّة، أذِن اللهُ جلَّ ثناؤه لنبيِّه –صلى الله عليه وسلم- بالهِجْرةِ إلى المدينة، لِيكونَ في مَأمَنٍ من تربُّصِ قُرَيشٍ، يدعو إلى ربِّه، ويقيمُ دينَه الذي ارتضاه بين ظهرانَيْ أهلِ المدينةِ.
بلية أشار خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمةإلي أن الرسول هاجر وأصحابُه أَرْسَالًا إلى المدينة واتَّخذوها وطنًا وكانتْ هذهِ الهِجْرةُ فيصلًا بين الإسلامِ والكفرِ، أعزَّ اللهُ بها الإسلامَ، وأذلَّ بها الكُفْرَ، وضرَبَ بها على عَهْدٍ من الأذى والعذابِ والخَسْفِ لَقِيَه المسلمون بمكة.
ونبه إلى أنه دَالَتْ الدَّولةُ للإسلامِ، ودُحِرَتْ دَوْلَةُ الكُفرِ، وجُعِلَتْ كلمةُ اللهِ هي العُلْيا، وكَلمةُ الذين كفروا السُّفلى، ووقَعَتْ بين أهلِ الإسلامِ والكُفْرِ مَعارِكُ اعترك فيها الحقُّ والباطلُ، وزهَقَ الباطلُ إنَّ الباطلَ كان زهوقًا! وتكلَّلتْ حياةُ المسلمين بعد ذلك بألوانٍ من الظَّفَرِ والنَّصْرِ يومَ بَدْرٍ والأحزابِ.
ومضي بلية للقول : كما مُنِيَتْ حياتُهم قبلَها بالضَّعْفِ والانكسار، وانكسر أهلُ الكُفْرِ خائبين لم ينالوا خيرًا، وفتحَ اللهُ على نبيِّه مكَّة أحبَّ أرض الله إليه، وهو عزيزُ الجانبِ منيعُ الحِمى، ظاهرُ المعونة والتأييد والرعاية، ذلك الفتحُ المبينُ الذي أتى وكأنْ لم تُسْكَبْ يومًا على عَرَصات مكة العَبَرات، وتشتدَّ الآلامُ، لقد جاءَ الفتحُ وقد هَلَكَ مِنْ صَناديدِ الكفر من هَلَكْ، واتَّبع رسولَ اللهِ وسلك سبيلَ المؤمنين مِنْهُم مَنْ سَلَكْ!.
خطيب المسجد الجرام إفاد بأنَّ حديثَ الهجرةِ ليُنَادي بصوتٍ يَسْمَعُه مَنْ بَعُد كما يَسْمَعُه مَنْ قرُبَ: أنَّ الشَّدائدَ لا تدومُ، وأنَّ الاصطفاءَ قرينُ الابتلاءِ، وأنَّ المكارمَ مَنُوطةٌ بالمكارِهِ، وأنَّ العِبْرَةَ بكمالِ النِّهايات لا بنقصِ البدايات، وأنَّ العبدَ يَبْذُل الأسبابَ واللهُ يُنجِحُ المساعي، وأنَّ الفرجَ مع الصَّبر، وأنَّ النَّصْرَ معَ الكَرْبِ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسْرًا!.
وخلص في نهاية الخطبة إلي أن حادث الهجرة العظيمة كشفت ُ: أنَّ سِيرةَ النبيِّ الهادي عليه أفضل الصلاة والتسليم عليها تُوزَنُ الأقوالُ والأعمالُ والأحوالُ، وأنَّه لا خَيْرَ في هَدْيٍ يخالِفُ هَدْيَ محمد صلى الله عليه وسلم وأنَّه لَنْ يَصْلُح آخرُ هذه الأمَّةِ إلا بما صَلَح به أوَّلُها وأنَّ مَكابَدةَ المشاقِّ طريقُ الانطلاقِ.. ومِنْ ظُلمةِ الآلامِ تَنْبَلِجُ أساريرُ الآمال! هِجْرَةٌ تُفصِحُ: أنَّ المهاجرَ من هَجَر ما نهى اللهُ عنه ورسولُه –صلى الله عليه وسلم- ، وأنَّ هجرةَ الأبدانِ تنقطِعُ وهجرةَ القلوبِ إلى ربِّها دائمةٌ ما دامتِ الأرواحُ في الأجساد.
من جانب أخر قال الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، إن الله سبحانه خلق الخلق وجعل للكون سننًا ، فجعل الطاعة سببًا لكل خير في الدنيا والآخرة ، وجعل المعصية سببًا لكل شر في الدنيا والآخرة .«الحذيفي» أوضح خلال خطبة الجمعة اليوم بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، قائلًا: كونوا من أهل البصائر والإيمان واتبعوا سبل ذوي الألباب والإحسان.
وشدد علي أن أولي الألباب هم أهل العقول المستقيمة والفطر السليمة وهم الذين ينتفعون بالوحي ويفهمون معاني ماأنزل الله على مُرادِ الله ومُرادِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعملون بكلام الله رجاء ثوابه وخوفًا من عقابه مشيرا إلى أن التفكر في مخلوقات الله عبادةٌ من المُسلم ، والاعتبار بهذه المخلوقات يزيد المسلم إيمانًا ويزيده رسوخًا في اليقين، مستشهدًا بما قال تعالى: «إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ .
خطيب المسجد النبوي لم تفته الإشارة إلى أن التفكر والاعتبار يثبت المرتاب ، ويُحيي القلوب وينور البصائر ويقيمُ السلوك ، والإعراض عن التفكر والاعتبار يقسي القلوب ويورث الغفلة ويقود إلى الندامة ويوقع في المعصية .
وخلص الدكتور الحذيفي إلي أن الله سبحانه ذم من اتبعوا الأهواء ولم يعتبروا ولم يتعظوا بما أتاهم من الأنباء ، قال تعالى «وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ»