رغم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يعكس شخصيته الجادة ورسالته السامية الإ أن هناك جانبا أخر من شخصية النبي حيث كان يحرص بين الحين والأخر علي تلاطيف الأجواء ومداعبة الصحابة وأمهات المؤمنيين رضوان الله عليهم دون أي يمس هذا وقار الحضرة النبوية أو يشهد ما يعكر صفو الحديث بل ويعكس قول الله تعالي وإنك علي خلق عظيم
مداعبة الرسول لاصحابة وأمهات المؤمنين كانت تنبع من إنَّ الإسلام دينٌ واقعيٌّ لا يُحلِّق في أجواء الخيال والمثاليَّة الواهمة، ولكنَّه يقف مع الإنسان على أرض الحقيقة والواقع.. ولا يُعامل الناس كأنَّهم ملائكة، ولكنَّه يُعاملهم كبشرٍ يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
وكانت حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثالًا رائعًا للحياة الإنسانيَّة المتكاملة؛ فهو في خلوته يُصلِّي ويُطيل الخشوع والبكاء، ويقوم حتى تتورَّم قدماه، وهو في الحقِّ لا يُبالي بأحدٍ في جنب الله، ولكنَّه مع الحياة والناس بشرٌ سوي، يُحبُّ الطيِّبات ويبش ويبتسم ويداعب ويمزح ولا يقول إلَّا حقًّا.
ومن البديهي هنا التأكيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفكَّه حينًا ويطرف للفكاهة والمزاح -الذي لا يحمل إثمًا- أحيانًا، فلم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حياته جافًّا ولا قاسيًا ولا فظًّا ولا غليظًا؛ بل إنَّنا عند استعراض سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم نجدها قد تخلَّلها نوعٌ من الدعابة والمزاح.
رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يمزح بين أصحابه وبين زوجاته وكان يلاطفهن ويمازحهم.. وقد روى أنس بن مالك قال: إنْ كان النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخالطنا ـ أي: يلاطفنا ويمازحنا ـ حتى يقول لأخٍ لي يا أبا عُمير، ما فَعَلَ النُّغَير؟. وكان للصغير طيرٌ يلعب به، فمات، فحزن عليه.
بل أنه صلي الله عليه وسلم كان ـ يمازح نساءه، فهذه عائشة رضي الله عنها كان رأسها يؤلمها، فقالت: وارأساه، فأراد الرسول اللطيف أن يمازحها فقال: يا عائشة لو أنّك متِّ لساعتك، وأنا حيَّ لاستغفرتُ لك، وكفنتكِ وصليتُ عليك، وهذا خير من أنْ تموتي بعدي، ولن تجدي مثلي مَنْ يفعل ذلك.
فما كان من السيدة عائشة رضي الله عنها الإ انها خاطبت النبي قائلة : واثكلياه.. أتريد أن أموت يا رسول الله لتتخلّص مني؟ أنتم هكذا يا معشر الرجال، تريدون أن تموت نساؤكم لِتَرَوْا غيرهُنَّ، ولو أني متُّ لما اهتممتَ بي، ولأتيتَ إلى بعض نسائك في بيوتهن تلاعبهن وتداعبهن وأنا ما أزال مسجّاةً على فراش الموت.
ومن المواقف الأخرسي التيي داعب فيها الرسول عموم المسلمين أن رجلا جاء إلي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأله أن يهبه دابّة يبلغ بها أهله فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
إني حاملك على ولد الناقة. قال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ وظنَّ أنه يعطيه ولد الناقة الصغير، ونسي أن الناقة تلد الحُوارَ فيكبر حتى يصير جملاً. قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وهل يلدُ الإبلَ إلا النوقُ؟.
وفي نفس السياق جاءت امرأة فسألته السؤال نفسه قائلة: يا رسول الله احملني على بعير. قال لمن عنده: احملها على ابن بعير. قالت: ما أصنع به؟ وما يحملني يا رسول الله قال عليه الصلاة والسلام: وهل يجيء بعيرٌ إلا ابنَ بعير.
ولم يختلف الأمر كثيرا في مواقف أخري حيث جاءت امرأة إلى الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: إن زوجي يدعوك.. فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: مَنْ هو؟ أهو الذي بعينيه بياض؟. فقالت: ما بعينيه بياض تقصد أنّه يرى جيداً وعيناه سليمتان. فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: بل بعينه بياض.. قالت: لا والله.. وضحك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: ما من أحد إلا بعينيه بياض. وهو الذي يحيط بالحدقة.
المداعبة لم تقتصر من جانب النبي لأصحابه وعموم المسلمين بل أمتدت كذلك لقيام أصحابه رضوان الله عليهم بممازحته ـ فقد جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى خيمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك، وكانت من جلدٍ صغيرةً لا تتسع إلا للقليل، فسلّم عليه فردّ السلام على عوف وقال: ادخل يا عوف.. فقال عوف: أكـلـي أدخل يا رسول الله؟ موحياً بصغر الخيمة، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبتسماً: كـلـك فدخل
هذه المواقف المتعددة تكشف جانب المداعبة والممازحة من جانب النبي لأصحابه وأمهات المؤمنين رضوان الله عليه وهي ممازحة كانت لا تخلو من جدية ولكنها تعبر عن وجه طلق وبشاشة نبوية تدخل السرور علي قلوب المؤمنين مادامت تتم في إطار الأدب النبوي والاحترام والتوقير من جانب الصحابة وأمهات المؤمنين لأفضل خلق الله وسيد انبياء الله وولد أدم صلي الله عليه وسلم