بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الناس في رمضان تحب أن تتقرب من الله بطرق مختلفة فمنهم من يتصدق كثيرا ومنهم من يصلي كثيرا و منهم من يقرأ القرآن ومنهم من يريد أن يفعل ذلك كله ويجمع بين ذلك كله فيعبد الله من كل الأبواب ففي يوم القيامة يدخله ربنا الجنة من كل الأبواب لأنه عرف أن يجمع بين ذلك كله، فجربوا أن تفعلوا ذلك فهذا له علاقة بعمر صانع حضارة.

سر عظمته.. تجميع الصفات المختلفة

سر عظمة عُمر في تجميع صفات كثيرة مع بعضها.. هناك معنى يقول إذا كنت عظيما وأردت أن تكون أعظم فلا تتردد فعُمر عظيم وقوي ولكنه استطاع أن يجمع بين صفات أخرى فأصبح أعظم، فجمع بين صفات كثيرة تبدو متناقضة مثل القوة والرحمة، الحزم والعدل، العاطفة والرؤية الثاقبة. فمثلا إذا كنتِ عاطفية فجربي أن تكوني عاطفية وصاحبة رؤية عن طريق القراءة.. فعمر يجمع الصفات في مكة وفي الهجرة ومع الرسول في المدينة فهو عظيم ويكون أعظم بتجميع الصفات وإذا أجمعت الصفات ستصنع الحضارة.

عُمر في مكة والجمع بين صفات عديدة..

واقع مكة كله تغير بعد إسلام عمر فالمسلمين في مكة قبل إسلام عمر غير المسلمين بعد إسلام عمر فمثلا المسلمين قبل إسلام عمر لم يكونوا يستطيعون أن يصلوا عند الكعبة ولكن بعد إسلامه تغير ذلك فهو عنده عزة شديدة وقدرة على صنع الفارق ولكنه عندة أيضا صفة ثالثة وهي التواضع فهو فقد كرسيه في دار الندوة وجلس في دار ابن الأرقم مع بلال وصهيب.

وعنده أيضا صفة أخرى وهو أنه غيور على الإسلام فعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم محاصر في شعب أبي طالب مع أصحابة لمدة ثلاث سنوات وكانوا محاصرين لا يدخل لهم أكل فكان عمر ابن الخطاب يخرج ليلا مع البغلة ويضع عليها سمن ودقيق وأكل ويأخذ ابنه عبد الله ابن عمر ويريد أن يدخل فالحراس يقولون لهم إلى أين؟ فيقول تنحوا عني فهنا تظهر صفة القوة والشجاعة والعزة فقالوا إن قريش أمرت أن لا يدخل أحد بطعام إلى محمد وأصحابه فقال: أنا من قريش فوالله لولا أن رسول الله قال لا نقاتلكم ولا نفعل معكم العنف لقاتلتكم الآن فهو يجمع بين الصفات فهو عزيز وشجاع ومتواضع ويصنع الفارق ويسمع الكلام، ثم يدخل عمر بالأكل وعندما سمع أن الحصار قد رفع كان أول من علم بذلك فذهب للرسول وقال: يا رسول الله أبشر يا رسول الله أبشر رفع الحصار فهو عاطفي جدا فهو عاطفي ومتواضع وقوي وعزيز ويصنع الفارق.

الجمع بين القوة، الشجاعة، الحكمة، وبعد النظر وعدم التهور..

هاجر عُمر من مكة إلى المدينة من أكثر طريق واضح فهو لم يهاجر من طريق خفي أو من طريق سري بل هاجر من أوضح طريق من مكة إلى المدينة كأنه يرسل رسالة لقريش أنه انتهي عهد الخوف فهو جمع بين صفتين أنه استطاع أن يفرق بين عهدين بين عهد استضعاف وخوف إلى عهد قوة، فالمسلمين قد ذهبوا إلى الحبشة ولكن عمر يعرف أن هذه المرة مختلفة. يقول علي ابن أبي طالب: لما أراد عمر أن يهاجر لبس درعه وأخذ قوسه وسيفه وذهب للكعبة وأخذ أسهم في يديه وذهب للكعبة وكان يجلس سادة قريش عمرو بن العاص وأبو سفيان وأبو جهل وخالد ابن الوليد ووقف أمام الكعبة وطاف سبعة أشواط يقول الله أكبر ويصلى ركعتين عند مقام إبراهيم ومسك سيفه وأقواسه وقال: "يا معشر قريش من أراد أن تثكل أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني خلف هذا الوادي فإني مهاجر اليوم فما تبعه أحد"، فعنده صفة الشجاعة فعمر هاجر جهرا.

يقول علي ابن أبي طالب: "ما أعلم أحد من صحابة رسول الله إلا هاجر سرا إلا عمر ابن الخطاب" فكيف هاجر جهرا هل هو أشجع من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا ولكن الرسول يشرع لأمته فلو هاجر جهرا لجعل الكل يقلده ولكنه هاجر سرا رحمة بالضعفاء من أمته ولكن عمر يريد أن يثبت موقف فالهجرة ليست للمستضعفين ولكن لبناء حضارة فعمر بعيد النظر فهو شجاع ولكنه عنده بعد نظر ويعرف أنه قد انتهى عهد الخوف فهناك من الناس من يكون شجاع ولكنه أحمق ولكن عمر ليس كذلك فانتهى عهد الاستضعاف وبدأ عهد بناء الحضارة وأخذ سيفه لكي يقول لقريش أنه مستعد للحرب وهو لم يقتل أحد منهم لأنه ليس متهور فهو يجمع بين عدة صفات عدم التهور وقوي وشجاع وحكيم ويفكر ويفرق بين شيئين.

عُمر أثناء وبعد الهجرة والجمع بين صفات مختلفة..

عمر ليس من أول الصحابة هجرة لماذا؟ لأنه لو هاجر أولا سيستفز قريش فتمنع ضعفاء المسلمين من الهجرة فعمر رحيم لذلك لم يهاجر مبكرا ولذلك أخر هجرته وهاجر جهرا عزة للإسلام وإثبات موقف بأن الإسلام عزيز ولم يهاجر وحده بل جاء عشرون من ضعفاء المسلمين وهاجروا معه فهو منصهر وسط المجموعة وقلبه طيب.

خرج عمر ابن الخطاب من مكة ومعه عشرون من المسلمين ومعه اثنين من أصدقائه عياش بن أبي ربيعة وهشام ابن العاص لكن هشام غير رأيه قبل الهجرة ولم يهاجر ولكن عياش هاجر معه ولكن حدث مفاجأة فعندما وصل عمر وعياش إلى قباء وجدوا أبو جهل فكان أبو جهل أخ عياش من ناحية امه فلما وصلوا إلى قباء قال أبو جهل: "يا عياش أدرك أمك فهي لن تشرب المياه ولن تقف في الظل ولا تمشط شعرها حتى ترجع" فرق قلب عياش وأراد العودة فقال عمر: يا عياش لو عدت مع أبو جهل سيفتنك فاصبر يا عياش وأنا عندي نقود أريد ان ادفعها فعرض له نصف ماله وقال عمر لو كنت مصرا أن ترجع خذ الناقة فأخذ عياش ناقة عمر ورجع وأثناء سيره في نصف الطريق طلب منه أبو جهل أن يركب على بعيره لأن البغلة التي معه بطيئة فعرض عليه عياش أن يركب الناقة ولكن أبو جهل ربط عياش ووثقه ورجع وقال "هكذا افعلوا بسفهائكم كما فعلنا نحن بسفهائنا" وارتد عياش ورجع عن الإسلام.

ولكن عمر لم يسكت فعندما دخل المدينة سمعهم يقولون أنه من يرتد عن الإسلام فلن يقبله ربنا ولكن عمر قال بالتأكيد سينزل ربنا قرآن في هذا وبالفعل نزل قول الله تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر53) ففرح عمر وكتبها في صحيفة وأرسها إلى عياش وهشام ابن العاص فركعب عياش الناقة وذهب هو وهشام إلى عمر وقال له ناقتك يا عمر أرجعها لك فقال لا والله قد أخرجتها لله فهي لك.

بعد انتصار الاسلام وبعد وفاة النبي ووفاة أبو بكر الصديق وعندما كان يوزع النقود فأعطى عياش وهشام نصف ما أعطاه لفقراء المهاجرين وذلك لأنهم تخلفوا وجاءوا متأخرا، فبالرغم من حبه لهم ولكنه كان عادلا.

فجمع عمر بين صفات مختلفة حتي في إيمانه لله فقال "لو ناد مناد يوم القيامة كلكم في النار إلا واحد لتمنيت ورجوت أن اكون أنا ولو نادى منادي يوم القيامة كلكم في الجنة إلا واحد لخشيت أن أكون أنا فجمع بين الرجاء والخوف.

وصل عمر إلى المدينة وبني الصحابة المسجد النبوي الذي به الروضة الشريفة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" وعمر شارك في البناء فالمسجد لم يبنى للعبادة فقط بل لكي يبني أمة وحضارة فجمع صفات كثيرة فالعبادة والمسجد والصلاة والقرآن وسائل لتجميع صفات جيدة كثيرة فاعبدوا الله في رمضان وقل أنا على طريقك يا عمر وأنا على خطى محمد صلى الله عليه وسلم.