خلق الله الإنسان لعبادته وعمارة الأرض بالخير، وجعل الدنيا مزرعة للآخرة، وليست غاية في ذاتها. لكن كثيرًا من الناس غلبت عليهم الماديات، فصاروا يلهثون خلف المال والمناصب والشهوات، حتى نسوا أن هذه الحياة قصيرة زائلة، وأن الآخرة هي دار القرار. ومن هنا جاء تحذير الإسلام من التمسك بالدنيا ونسيان الآخرة، ودعوته إلى الزهد فيها دون إهمال العمل الصالح فيها.
لقد بيَّن القرآن الكريم والسنة النبوية أن الدنيا دار ممر لا مقر، وأنها مهما طالت فهي إلى زوال، فقال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾
(سورة الحديد: 20)
وفي الحديث الشريف قال النبي ﷺ:«كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» (رواه البخاري)
أي أن المؤمن لا يتخذ الدنيا وطنًا دائمًا، بل يعيش فيها زاهدًا متوازنًا، يأخذ منها ما يعينه على طاعة الله، دون أن يجعلها أكبر همّه.
إن التمسك بالدنيا يؤدي إلى قسوة القلب وضعف الإيمان، ويجعل الإنسان ينسى واجبه نحو ربه وآخرته، كما قال الله تعالى:﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾
(سورة الروم: 7)
وقد كانت حياة النبي ﷺ وأصحابه أبلغ مثال على الزهد، فقد عاشوا حياة بسيطة بعيدة عن الترف، ورغم ذلك كانوا أغنياء بالإيمان واليقين. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى أثر الحصير في جنب النبي ﷺ: «يا رسول الله، كسرى وقيصر ينامان على الحرير، وأنت رسول الله على الحصير!»
فقال ﷺ:
«أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟»
هذا الموقف يوضح أن المؤمن لا يزهد في العمل أو الإنتاج، بل يزهد في التعلق القلبي بما يفنى، ويجعل همّه الأكبر الفوز برضا الله والجنة.
إن كراهية التمسك بالدنيا ليست دعوة لتركها، بل دعوة لتصحيح النظرة إليها، فهي وسيلة لا غاية، وممر إلى دار الخلود. فليتذكر الإنسان دائمًا قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾
(سورة القصص: 77)
فلنعمل في دنيانا بما يرضي الله، ولتكن قلوبنا معلقة بالآخرة، فهناك السعادة الحقيقية والبقاء الأبدي.