بعض الأفراد قد يقول: "ما ذنبي أنا في هذا الفيروس: كورونا، أن أصاب به وأمرض، أو أفقد عملي بسببه؟!"، أريد كلمة ونصيحة ودعوة، وتوضيحًا لإخواننا في كيفية التعامل مع قضاء الله عز وجل وقدره. جزاكم الله عزّ وجلّ خيرًا.
تبين لجنة الفتوى بإسلام ويب أن كل ما يجري للعبد، فهو بقدر الله تعالى الذي يجريه وَفقًا لحكمته البالغة، ورحمته الواسعة.
ولكمال حكمته وعدله سبحانه وتعالى؛ فإنَّه لا يُسأل عما يفعل.
وعقول العباد تعجز عن إدراك أسرار حكمته في جميع ما يقدره ويقضيه.
وتضيف: إذا عجز عقل المرء عن الوصول إلى الحكمة الإلهية فيما قضاه الله وقدّره؛ فليُسلم لحُكمه، وليَعلم أن الله ما فعل ذلك إلا لما يتضمنه من المصلحة، والحكمة، والرحمة به، فهو سبحانه أرحم بنا من آبائنا وأمّهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا.
والمصيبة حقًّا إنما هي المصيبة في الدِّين، وما سواها من المصائب فهي عافية؛ فيها رفع الدرجات، وحط السيئات، والمصاب من حُرم الثواب!
وتذكر انه مما ينبغي أن يعلم أنَّ الابتلاء ليس دليلًا على غضب الله، بل قد يكون دليلًا على محبة الله للعبد، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضا، ومن سخط، فله السخط. رواه الترمذي.
فالعافية ليست دائمًا إكرامًا للعبد، والبلاء ليس دائمًا إهانة له، بل قد يبتلي الله العبد وهو محبوب لديه، فأشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، وإنما يبتليهم الله ليمحصهم، وينقيهم من ذنوبهم، وليزيدهم رفعة في درجاتهم.
توضح انه كما قد يملي لبعض الظالمين المعتدين من العصاة، ويتركهم في عافية؛ لما يعدُّه لهم من العقوبة والنكال، فيكون هذا استدراجًا منه لهم، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام:44]، وقال تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ. كلا [الفجر:15ـ 17]، فدلت الآية على أن الله قد يبتلي بالسراء كما يبتلي بالضراء، وعلى أنه ليس كل من أنعم الله عليه، فهو مكرم، ولا كل من ضيَّق الله عليه، فهو مُهان، بل وراء ذلك من الحكم والأسرار ما لا يحيط به إلا علم الله تعالى، قال ابن القيم في كتابه: مفتاح دار السعادة: وإذا تأمّلت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته، بما ساقهم به إلى أجلّ الغايات، وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقّهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة ومِنّة عظيمة، تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان ... فلله سبحانه من الحكم في ابتلائه أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين، ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته، وهل وصل من وصل إلى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة، إلا على جسر المحنة والابتلاء؟.