ما حكم إمام صلى بنا، وبعد انتهاء الصلاة قال: تذكرت أنّي لم أكن متوضئًا، فهيا نعيد الصلاة، هل صلاة المأمومين صحيحة، أم يجب أن يعيدوا الصلاة أيضًا؟
وما حكم إذا صلى بنا إمام محدث عمدًا، وعلمنا بعد الصلاة بحدثه سواء كان حدثا أكبر، أو أصغر؟ وحديث عمر -رضي الله عنه- أنه صلى بالناس الصبح، ثم وجد في ثوبه احتلاماً، فأعاد، ولم يعيدوا. رواه الأثرم، هل هذا حديث صحيح، ويؤخذ به، أم أنه ضعيف؟
الإجابــة:
تبين لجنة الفتوى بإسلام ويب أنه إذا صلى الإمام بالناس وهو محدث، أو متلبسا بنجاسة، فإنه لا يخلو من حالين:
أولهما: أن يجهل الإمام حدثه، أو نجاسته حتى تمت الصلاة، وفي هذه الحال لا تصح صلاته هو، وتلزمه إعادتها، وتصح صلاة المأمومين، فلا يلزمهم إعادتها.
قال البهوتي الحنبلي في دقائق أولي النهى: (وَإِنْ جَهِلَ) إمَامٌ حَدَثَهُ، أَوْ نَجَسَهُ (مَعَ) جَهْلِ (مَأْمُومٍ) بِذَلِكَ، (حَتَّى انْقَضَتْ) الصَّلَاةُ (صَحَّتْ) الصَّلَاةُ (لِمَأْمُومٍ وَحْدَهُ)، أَيْ: دُونَ إمَامِهِ. لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: «إذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَتَمَّتْ لِلْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ» رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ "أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجُرْنِ، فَأَهْرَاقَ الْمَاءَ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَأَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعِدْ النَّاسُ" وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا مَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، فَكَانَ عُذْرًا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ. اهــ.
وتضيف أن القول بأن الإمام يعيد الصلاة دون المأمومين هو قول أكثر العلم.
قال ابن عبد البر في التمهيد: وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْقَوْمِ يُصَلُّونَ خَلَفَ إِمَامٍ نَاسٍ لِجَنَابَتِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، إِذَا عَلِمَ اغْتَسَلَ، وَصَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَحَسْبُكَ بِحَدِيثِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرْفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَغَسَلَهُ، وَاغْتَسَلَ، وَأَعَادَ صَلَاتَهُ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةٍ، وَهَذَا فِي جماعتهم مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ. رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ فِي جُنُبٍ صَلَّى بقوم، قَالَ: يُعِيدُ، وَلَا يُعِيدُونَ. قَالَ شُعْبَةُ: وَقَالَ حَمَّادٌ: أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُعِيدُوا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ، قَالَ يُعِيدُ، وَلَا يُعِيدُونَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عن خالد ابن مَسْلَمَةَ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُصْطَلِقِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْفَجْرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، وَارْتَفَعِ النَّهَارُ، فَإِذَا هُوَ بِأَثَرِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: كَبُرَتْ وَاللَّهِ كَبُرَتْ وَاللَّهِ، فَأَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا، وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: يُعِيدُ، وَلَا يُعِيدُونَ. اهــ.
وتوضح: أن الحال الثانية هو أن يعلم الإمام قبل الصلاة، أو فيها أنه محدِث، فلا تصح صلاته، ولا تصح صلاة المأمومين، وتلزمهم جميعا إعادتها.
قال البهوتي في تتمة النقل السابق: وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْإِمَامُ، أَوْ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، أَوْ فِيهَا أَعَادَ الْكُلُّ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ نَسِيَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ، (إلَّا إنْ كَانُوا بِجُمُعَةٍ)، أَوْ عِيدٍ (وَهُمْ بِإِمَامٍ) مُحْدِثٍ، أَوْ نَجِسٍ أَرْبَعُونَ، فَيُعِيدُ الْكُلُّ. اهــ.
وفي كشاف القناع: (وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ مُحْدِثٍ) يَعْلَمُ ذَلِكَ، (وَلَا) إمَامَةُ (نَجِسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ أَشْبَهَ الْمُتَلَاعِبَ؛ لِكَوْنِهِ لَا صَلَاةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ. اهــ.
وأما أثر عمر في صلاته بالناس، وهو جنب، وروي عن عثمان، وعلي مثله، فقد تقدم ذكره في كلام ابن عبد البر في التمهيد، واحتجاجه به يدل على أنه صحيح ثابت عنده، وحكم بصحته بعض المعاصرين أيضا، فقد قال الشيخ صالح آل الشيخ في كتابه "التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل":
أثر عمر: أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه ": (2/348) بإسناد صحيح عن عروة عن عمر، ورواه من طرق أخرى بعضها مطول، وبعضها مختصر. وانظر: "مصنف ابن أبي شيبة": (2/44). وقد رواه مالك في " الموطأ": (1/49) من طرق عن عمر، وليس فيها التصريح بأن الناس لم يعيدوا، لكنها تفهم من السياق. ورواه الدارقطني: (1/364) بإسناد رجاله ثقات. ورواه ابن الجعد في " مسنده": (رقم 193) مرسلاً بنحوه.
وأما أثر عثمان: فرواية الأثرم عنه ساقها ابن عبد البر في " التمهيد ": (1/182) ، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ يقول: حدثنا هشيم عن خالد بن سلمة قال: أخبرني محمد بن عمرو بن المصطلق " أن عثمان بن عفان صلى بالناس صلاة الفجر، فلما أصبح، وارتفع النهار، فإذا هو بأثر الجنابة، فقال: كبرت والله، كبرت والله، فأعاد الصلاة، ولم يأمرهم أن يعيدوا ".....
وأما أثر علي: فرواه ابن أبي شيبة في " المصنف": (2/45)، ومن طريقه الأثرم في " سننه " كما في " التمهيد ": (1/182) من طريق حجاج عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي في الجنب يصلي بالقوم، قال: يعيد، ولا يعيدون (لفظ الأثرم). وهذا إسنادٌ ضعيف، ورُوي عن علي خلافه. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف": (2/350 ـ 351). اهــ.