ترك الزوج غرفة النوم إلى مكان آخر تصرف غير مقبول شرعًا وعكس المطلوب من الأمر الإلهي بتحديد «الهجر»
الهجر تنبيه إلهيّ للزوجة بخطر مواصلة التمرد والعناد
الأمر في قوله «واضربوهن» ليس للوجوب ولا للسنية ولا للندب.. بل إباحة خاصة مقيدة
ضرب الزوجة الناشز مقيد واستثناء يشبه رخصة أكل الميتة للمضطر
استكمل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الحديث عن «قضية أكذوبة ضرب المرأة في الإسلام»، موضحًا أن هناك بعض الزوجات ممن يستبد بهن الفكر الطائش المتعجل، ويجدن متعة في التمرد ومواصلة العناد، ويستنكفن عن الاستماع للنصيحة ويمعن في الخصومة واللجاج.
وأضاف أن القرآن الكريم يلفت أنظار المؤمنين به إلى نوع من العلاج لايتعامل مع العقل هذه المرة، وإنما يتعامل مع المشاعر والأحاسيس التي كانت سببًا في نشوز الزوجة وتعاليها، وهذا النوع المتقدم من علاج النشوز هو: «هجر الزوجة الناشز في المضجع»، أي: في المكان الذي يجمع الزوجين ويأويان إليه معا كل ليلة.
الهجر المنصوص عليه في القرآن الكريم
وأشار في الحلقة الثانية عشر من برنامجه "الإمام الطيب" إلى أن الهجر في هذا المكان من شأنه تنبيه الزوجة إلى خطر الطريق الذي قررت السير فيه، لافتًا إلى أمر قد يغفل عنه كثير من الأزواج، وهو أن الهجر المنصوص عليه في القرآن الكريم -هو الهجر في المضجع، أي: مكان النوم فقط.
وبين الطيب السبب في الهجر في المضاعج، لأنه "المكان الطبيعي الذي يثمر فيه الهجر شعورا بالحرمان من الطمأنينة والسكن والأنس الذي يشعر به الأزواج عادة حين يأوون إلى مضاجعهم، وليس المراد كما يفهم كثيرون أنه ترك غرفة النوم إلى غرفة أخرى أو مكان آخر، فهذا تصرف غير مقبول شرعا، لأنه تزيد في الدين لم يأذن به الله، وثانيًا: لما يؤد إليه هذا التصرف من ازدياد الجفوة بين الزوجين، وابتعاد كل منهما عن الآخر، وهو عكس المطلوب من الأمر الإلهي بتحديد «الهجر» في هذا المكان.
وشدد شيخ الأزهر أنه حال فشل هذا العلاج، واستمرت الزوجة في تمردها ونشوزها، فإن هناك علاجا أخيرا للنشوز قبل أن يتحول بيت الزوجية إلى خراب لا أنس فيه ولا أنيس، وهو ما ورد في قوله تعالى: {واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا}.
وأشار إلى أن المقصد من تشريع «الضرب» لحالة النشوز ليس هو إهانة الزوجة الناشز أو إذلالها أو المساس بآدميتها، والقول بشيء من ذلك افتراء وكذب على كتاب الله وشريعته، فالغرض الحقيقي من هذا التشريع هو إعادة الزوجة إلى صوابها لتحمل مسؤولياتها.
اقرأ أيضا:
"إلي مثواه الأخيرة " خطأ شرعي فتجنبه ..لهذه الأسبابالزواج ميثاق غليظ
وأوضح الطيب، أن ميثاق الزواج في الإسلام ورد في القرآن الكريم من بين ثلاثة مواثيق وصفها الله بالغلظ، هذا الميثاق الذي تأخذه الزوجة على زوجها، والميثاق الذي أخذه الله على أنبيائه ورسله بإبلاغ رسالته والدعوة إلى دينه القيم، ثم الميثاق الذي ضيعه بنوا إسرائيل في قوله تعالى: {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا}.
وشدد على أن القرآن الذي ارتفع بهذا الرباط المقدس إلى هذا المستوى غير المسبوق وغير الملحوق أيضا من مستويات الرفعة والسمو الخلقي والإنساني، لا يمكن أن يقال عنه إنه يسمح للزوج بضرب زوجته إهانة وإذلالا ونزولا بمنزلتها.
وبيّن الطيب أن «الضرب المقيد» كعقوبة ليس أمرا مباحا بإطلاق كما يريد البعض أن يفهمه، وهو وإن ورد بصيغة الأمر في الآية الكريمة في قوله تعالى: «واضربوهن»، إلا أن الأمر هنا ليس للوجوب ولا للسنية ولا للندب، ولا للإباحة إباحة مطلقة، بل هو لإباحة خاصة مقيدة بقيدين: القيد الأول: أن يفهم من كلمة «واضربوهن»، معنى «العلاج»، وليس معنى الإيذاء والإيلام، والقيد الثاني: أن يلجأ إليه للحفاظ على مستقبل الأسرة ولتفادي الطلاق والانفصال.
الضرب محظور في القرآن
واختتم شيخ الأزهر بتنبيه مهم وهو أنه يجب علينا ألا نغفل لحظة على أن الضرب بمعنى العقاب أمر محظور في القرآن وفي السنة وفي سيرته صلى الله عليه وسلم؛ فالقرآن يأمر المسلمين بعشرة الأزواج بالمعروف، وإمساكهن بإحسان أو تسريحهن بإحسان.
وخلص إلى القول أن ضرب الزوجة الناشز ليس حكما عاما، وإنما هو استثناء يلجأ إليه لجوء المضطر إلى مكروه مؤلم يدفع عنه ما هو أشد كرهًا وأقسى ألمًا وهو في هذا «الإطار» يشبه رخصة أكل الميتة للمضطر، كما نبه فضيلته أن تكون نية الزوج معقودة على رجاء الإصلاح، فإن ضربها يائسا من إصلاحها أو ضائقا بها صدره حرم الضرب؛ لأنه ينقلب حالتئذ إلى نوع من الإيذاء الممنوع.