كيف يعقل أن يثاب المسلم على أمر هو متشكك فيه، متردد في قبوله يقدم رجلا ويؤخر أخرى غير ثابت اليقين في صحته.. كل هذا بلا شك يجعل عمله في مهب الريح.
والصواب أن يكون المؤمن واثقا من أمره على يقين فيما يعتقد يرى ثواب الله أمام عينه كل هذا يجعله يداع عما يعتقد بجدارة ويدعو له ويقنع غيره وبهذا يستحق الثواب.
مفهوم اليقين:
واليقين في أبسط معانيه أن يمتلأ القلب بما يعتقد وتتوجه الإرادة إليه فيكون مستقرًا في الوجدان؛ فاليقين إذا العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، والتي تتحرك الجوارح على أثره.
وحال المؤمن بالنسبة لما يعتقد لابد أن يصل درجة اليقين حتى يؤجر على عمله.
من روائع صور اليقين:
واليقين في الطاعة له صور كثيرة ومن أروع الأمثلة التي خلدها القرآن الكريم يقين سيد البشر صلى الله عليه وسلم في رحلته للهجرة فحين جاء المشركون لباب الغار وقال أبو بكر الصديق كلمته لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا كان يقين رسول الله هو المنجى من هذه الحالة كما في الحديث رواه مسلم عن أنس بن مالك: أن أبا بكر الصديق حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله؛ لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر؛ ما ظنك باثنين الله ثالثهما، وأنزل الله تعالى قرآنا يتلى ليوم الدين قال سبحانه: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40) سورة التوبة.
ثمرات اليقين:
ولليقين آثار يلمسها العبد بل ومن يحيطه فالذي يعبد الله بيقين ليس كمن يعبده على حرف، ومن آثار اليقين أنه يدرك حقائق الأشياء ويتعامل معها رؤيا العين، يقول الحسن البصري رحمه الله: "ما أيقن عبد بالجنة حق يقينها ، إلا خشع ووجل وذل واستقام واقتصر حتى يأتيه الموت".
ومن ثمرات اليقين كثرة الطاعة لاسيما التصدق، قال سبحانه: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ).
ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم قْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب الدُّنْيَا، اللهم أمتعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا" أَخْرَجَهُ الترمذي.
من صور اليقين:
وصور اليقين كثيرة منها اليقين في الدعاء، وهذا اليقين من شروط إجابة الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاه. رواه الترمذي.
فإذا تحققت شرط الإجابة وانتفت موانعها فإن الله تعالى يستجيب الدعاء عاجلاً في الدنيا أو آجلاً في الآخرة، ففي الحديث: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وفي رواية لأحمد: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
كيف يزيد اليقين؟
ولكي اليقين هناك بعض الأمور التي ينبغي الحرص عليها منها كثرة التأمل في كتاب الله وتدبر معانيه، وتدبر الآيات الكونية، وتدبر معاني صفات الله تعالى، ومما يزيده كذلك كثرة سؤال الله تعالى الإيمان واليقين والهدى، أيضا استحضار أسماء الله عز وجل وصفاته التي تناسب هذا المقام، كالجواد والكريم والرحمن والرحيم، ونحوها، مع كثرة النظر في نصوص الوحي التي يكثر فيها الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، استحضار سعة الله وكرمه وعظيم عطائه ومننه.. بدراسة قصص الأنبياء والمرسلين، والمؤمنين الصالحين في دعائهم لربهم، واستجابته لدعائهم.