لو تبحرنا في القرآن الكريم، ما وصلنا إلى نقطة في بحره، ومهما حاولنا ومهما حاول جميع العلماء الأجلاء لن يصلوا إلا إلى القليل من مفاهيمه وعلمه وما وراء آياته، ولمّ لا والله يتحدى به الكون قائلا: «قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا» (الكهف 109)، وقال تعالى: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» (الإسراء 88).

وقد يتصور البعض أن القرآن كله أو أغلبه آيات عبادات، إلا أنه من يتطلع إليه يجدها فقط لا تزيد عن الـ2% منه، فهل تعلم عزيزي المسلم أن عدد آيات العبادات التي وردت بالقرآن الكريم هي (130) آية فقط، وأن عدد آيات (الأخلاق) هي (1504) آيات؟، وجاء في الحديث عن أبي الدرداء، أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن (الخلق)، وإن الله يُبغض الفاحش البذيء، وقال كذلك: إنما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق».

تقسيم آيات القرآن 

فهل تعلم عزيزي المسلم، أن القرآن الكريم ٦٢٣٦ آية.. وآيات العبادات في القرآن لا تزيد عن ١٣٠ آية فقط أي بنسبة ٢٪؜ من القرآن.. في حين أن آيات الأخلاق ١٥٠٤ آية، أي ما نسبته ٢٤٪؜ من القرآن تقريبا أو ربع القرآن.. ومع ذلك يركز عدد كبير من المسلمين على العبادات ويترك الجزء الأكبر من المعاملات وحُسن الخلق، وفي ذلك يقول الإمام إبن القيّم الجوزية رحمه الله: «الدّين كله خُلق ، فمن فاقَك في الخلق ،فاقَك في الدّين»، فاللهم ارزُقنا حسن الخُلق ، وطهارة النفس ، وحلاوة اللسان ، وسِعة الصدر ، وسلامة القلب ، وأعِنّا على تربية أنفُسنا وذرياتنا كما تُحِبّ و ترضى.. فلاشك أن مصيبة المصائب الكبرى هي (غفلة) المسلمين في أغلب عصورهم عن (التأسي) بخلق رسولهم الأكرم صلى الله عليه وسلم، والذي كان قرآنا يمشي على الأرض.

اقرأ أيضا:

إنْ كان الله هو الذي يهدي ويُضل.. لماذا يُحاسب الإنسان؟ (الشعراوي يجيب)

الغلبة للأخلاق

فلو تدبرنا القرآن الكريم جيدًا، لعلمنا أن أهما ما يطلب فيه بعد الإيمان بالله، هو التأسي بحسن الخلق، فلا أخلاق مع الغش، ولا أخلاق مع الكذب، ولا أخلاق مع التدليس، ولا أخلاق مع الخيانة، ولا أخلاق مع السرقة، ولا أخلاق مع الغطرسة، ولا أخلاق مع النميمة، ولا أخلاق مع النفاق، ولا أخلاق مع العنصرية.

وآيات الأخلاق في القرآن عديدة، ومنها قوله تعالى: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا» (سورة الإسراء، آية: 34)، وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (سورة المائدة، آية: 1)، وقوله سبحانه: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» (سورة المعارج، آية: 32)، وأيضًا قوله في النهي عن القول بغير علمٍ: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» (سورة الإسراء، آية: 36)، وقوله في الأمر بالعدل في جميع الأحوال: «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى» (سورة الأنعام، آية: 152)، وقوله سبحانه: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (سورة المائدة، آية: 8).