رجل سافر منذ حوالي عشرين عاما لدراسة الدكتوراه في الخارج، على حساب جامعة أجنبية. وحوَّل بعض نقوده للعملة الأجنبية، وأخذها معه. ثم زادت مدة دراسته عن المدة التي تدفع له الجامعة الأجنبية أجرها بعام ونصف، فطلب من والده مبلغا؛ لاستكمال دراسة العام والنصف؛ فحوله له بالعملة الأجنبية نقودا.
وقد أخذ الرجل من والدته قبل السفر بعض المال، وحوَّلت له والدته وهو في الخارج بعض النقود. ولما رجع قال له والده: ما رجعت به من عملة أجنبية يُرد لوالدك. لكن الرجل أعطى له بعض ما بقي، واحتفظ لنفسه بالجزء الباقي؛ لأنه مال الرجل سواء أخذه قبل سفره من ماله الخاص، أو من راتبه من الجامعة، أو أعطته له والدته سواء قبل سفره، أو حولته له وهو يدرس في الخارج.
الآن الوالد رجل كبير في السن، ولا يفهم بسهولة، ولا يستطيع أن يتكلم جيدا حتى يسأله هل يرد الباقي أم لا؟ لكن سأله فقال له والده: أنا لا أتذكر ما فات، إن كان لي شيء أعطه لشقيقك، هو الذي معه مالي، وتوكيل في التصرف فيه.
هل يجب رد الجزء الذي احتفظ به الرجل لنفسه كماله، أو من مال والدته لشقيقه ليدخل حساب الوالد؟ الوالد يتعامل بفوائد البنوك، وقد بنى عقارا بعد عودة الابن من الخارج، يعني يستثمر ماله بهذه الطريقة.
هل يرد أصل المبلغ أم بفوائد عشرين عاما، أو بسعر نسبة زيادة الأموال في العقارات. أم يعتبر دينا يرد أصله فقط؟
يعني هل يعتبر كأن والده وضع المبلغ في البنك، وأخذ فوائده لعشرين عاما، فيرد المبلغ بزيادة الفوائد أم لا؟ أم يجب رده مع زيادة؛ لأنه لو كان قد استثمره في العقار الذي بناه، لزاد المبلغ؟
قال مركز الفتوى بإسلام ويب: إن كان الوالد أرسل لولده هذا المبلغ على سبيل القرض، لما طلب منه مبلغا لاستكمال الدراسة في العام والنصف الزائدة، فإنه يثبت في ذمة الولد دينا بالعملة التي استلمه بها إن كنت طلبتها منه، وهي العملة الأجنبية على ما يظهر من قول السائل: (فحوله له بالعملة الأجنبية).
وكذلك الحال في أي مال أعطاه الوالد لولده أثناء فترة دراسته، إن كان على سبيل القرض، فإنه يثبت في ذمة الُمقترِض (الابن) بالعملة التي استلمها.
وعلى ذلك، فإن كان المبلغ الذي رجع به الولد من العملة الأجنبية لا يزيد على قدر القرض، فإنه يرده كله لوالده الذي قال له: (ما رجعت به من عملة أجنبية، يرد لوالدك).
وأما إن كان زائدا على قدر القرض، فله الاحتفاظ به بما زاد عليه؛ لأنه لا يلزمه إلا قضاء ما عليه من الدين.
وقضاء الدين يكون بمثله، ولا يجوز أن يراعى في قضائه ما كان يمكن أن يربحه أصله إذا استُثمِر، فإن ذلك هو عين الربا المحرم!
هذا مع أهمية نصح الوالد بطريقة مناسبة بأن يتوب من التعامل بالربا، فإنه من أكبر الكبائر، ومن السبع الموبقات.
المركز قال في فتوى سابقة حول طريقة قضاء الدين اذا انخفضت قيمة العملة: إن العملات الورقية نقد قائم بنفسه وتلحق بالذهب والفضة في أحكام الربا والزكاة ونحو ذلك لأنها صارت ثمنا للأشياء وبدلا من المتلفات، وأما الحكم فيمن استدان مبلغا من هذه العملات فالذي يجب عليه أن يرد مثلها لما تقرر أن الدين يرد بمثله غلت العملة أو رخصت.
جاء من بدائع الصنائع : ولكنها إذا رخصت أو غلت فعليه رد مثل ما قبض بلا خلاف لما ذكرنا أن صفة الثمينة باقية.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: لا يجوز شرعا الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي: الربط بمؤشر تكاليف المعيشة أو غيره من المؤشرات ، الربط بالذهب والفضة ، الربط بعملة أخرى، الربط بسعر الفائدة. انتهى.
وذكر المجمع في حيثيات القرار أن الربط بهذه الأشياء يؤدي إلى غرر وجهالة له بحيث لا يعرف كل طرف ماله وما عليه، ويؤدي إلى عدم التماثل بين ما في الذمه وما يطلب أداؤه، وهذا كله يؤدي إلى الظلم والتنازع والاختلاف.
وبالنسبة لمسألة التضخم وعلاجها والشبه التي نتجت عنها فيمكن مراجعة ذلك في كتاب موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس.
اقرأ أيضا:
ما حدود عورة المرأة أمام النساء؟اقرأ أيضا:
هل جاء في الإسلام أن صوت المرأة عورة؟