لو ظللنا تحاول فهم (كل شيء) عن القرآن الكريم، ما وصلنا إلى نهاية محددة، أو معان نهائية، ذلك أن الله عز وجل جعل في القرآن معانٍي يظل البشر يفهمونها أو يحاولون فهمها حتى قيام الساعة، ولمّ لا وهو القائل: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (لقمان 27).

وقال أيضًا سبحانه: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» (الإسراء 88).

إذن الأمر مستحيل، لكن علينا فقط المحاولة، لعل وعسى نصل إلى فهم بعض من معانيه، لتنير لنا الطريق، خصوصًا فيما يخص محاولة فهم كيفية ربط الآيات ببعضها البعض، فهل من الممكن أن نجد علاقة بين آية -على سبيل المثال- في سورة البقرة، وأخرى بسورة الزلزلة؟.. اقرأ لتعرف.

محاولة للفهم

في محاولة للفهم والاستنباط حول ما هي علاقة تلك الآيات الكريمة مع بعضها البعض، قال تعالى: « فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ » ( سورة الدخان : 10)، وقوله: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ» (النمل 82)، وقوله: «وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا» (سورة النساء: 159).

وهنا يدل القرآن الكريم على أن يوم القيامة آت لا محالة ولا شك في ذلك نهائيًا، ولكن هناك علامات على ذلك، ومنها (الدخان الذي يأتي من السماء)، وخروج دابة الأرض تكلم الناس، فضلا عن الإيمان برسالة ونبوة عيسى عليه السلام، لكن وسط ذلك لن ينجو إلا من آمن، فعلى كل مسلم أن يعمل لمثل هذا اليوم.. لأن الأمر جلل.

اقرأ أيضا:

إنْ كان الله هو الذي يهدي ويُضل.. لماذا يُحاسب الإنسان؟ (الشعراوي يجيب)

روح عيسى

فمن أعجب ما تحدث عنه القرآن الكريم، قصة نبي الله عيسى عليه السلام، فكيف لامرأة تلد دون رجل، ثم يصبح هذا المولود نبيًا بأمر الله، ليس هذا فحسب، وإنما يكلم الناس في المهد، ويمنحه الله عز وجل القدرة على إحياء الموتى، وكلها أمور تجعل من العقل البشري لا يستطيع فهمها، إلا أنه من كان مؤمنًا بالله عز وجل أيما إيمان، فإنه سيعي يقينًا أن الله قادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه كما خلق آدم من عدم، قادر وببساطة شديدة على أن يخلق عيسى من أم بلا أب.. قال تعالى: «إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» (سورة آل عمران: 45)، ووجيها هنا أي شريفًا رفيعًا ذا جاه وقدر في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين عند الله.


إذن فإن نبي الله عيسى عليه السلام له دور فى الآخرة مشابه أو من نفس جنس دوره في الدنيا، ولذلك استخدم القرآن الكريم توصيف وجيهًا وأطلقه للدلالة على حاله في الحالتين فى الدنيا والآخرة، بمعنى أن الأمر لا علاقه له بتوصيف الوجاهة فى حد ذاته والذي وصف به القرآن موسى عليه السلام أيضا «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا» (الأحزاب 69)، وإنما الأمر هنا يتعلق بكون أن ذلك التوصيف أطلقه القرآن على عيسى عليه السلام، لوصف حاله في الدنيا والآخرة، بعكس نبي الله موسى عليه السلام الذي كان عند الله وجيها كوصف عام، قال تعالى يوضح ذلك: « إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».