مرحبًا بك يا عزيزتي..
أقدر مشاعرك ومعاناتك، وفيما يخص والدتك فمن نافلة القول أن أقول لك أننا لا نختار أهلنا، لا نختار آباءنا وأمهاتنا وإخوتنا، وشرعًا أمرنا الله أن نحسن لوالدينا والإحسان(سلوك) لكنه لم يفرض الحب، فالحب مشاعر، ومن الصعب فرضها، لذا فلا تعارض بين الإحسان وعدم الحب، ليس ثمة علاقة شرطية بينهما، ولا سببيه، فاطمئني، واهدئي بالًا، وافعلي وسعك وطاقتك في البر والإحسان وفقط، وما عدا ذلك أنت غير محاسبة عليه ولا مأمورة به.
لا أنكر عليك استياءك من سلوكيات وتصرفات تخص والدتك لم تفصحي عنها تسببت في "كهربة" الأجواء العائلية، والآن، ما يهمنا، هو دورك أنت لنفسك، فنحن غير مسئولون عما فعله الآخرون أيًا كانوا، لكننا مسئولون عما سنفعل لأنفسنا حتى لا نصاب بالأذى، ونكبل بالخسائر، جراء افعالهم.
عزيزتي، أنت بلغت من العمر ما يجعلك (مستقلة)وزيادة، (حرة) وزيادة، ولا عيب ولا جرم في ذلك، ربما أنت مضطرة للعيش مع أسرتك، لأسباب اقتصادية واجتماعية، لكنك مستقلة في الشخصية، والرأي، والأفكار، ومن ثم المشاعروالتصرفات، فلابد أن يتضح لنفسك هذا الوعي بنفسك.
أنت محتاجة للخروج من(بوتقة) الأسرة، وغرفتك، أين بقية دوائر حياتك؟ أين الهواية، والأصدقاء، وأين العمل، هذا ما هو بيديك ويمكنك السعي فيه وايجاده لنفسك، وكذلك الزواج، أن تجدي الشخص المناسب، فجزء من هذا القرار أيضًا يعتمد على سعيك فيه.
عزيزتي، جزء من الأقدار يتبعنا كظلنا لا يد لنا فيه ولا حيلة ولا نجاة ودورنا إزاءه يتوقف عند الرضى والتسليم، وعدم مناطحة الجدران فمن يناطحها تتهشم رأسه هو ولا يكسب شيئًا!
وجزء منها يعتمد على حركتنا، سعينا، طريقة تفكيرنا، وعينا بذاتنا، احتياجاتنا، وكل هذا يسير جنبًا إلى جنب مع طاعتنا وعباداتنا، لا يغني أحدهما عن الآخر وهو ما أرشدنا إليه نبينا (التوكل) في معناه الحقيقي والواسع والمتزن وهو ما أنت بحاجة إليه.
وأخيرًا، إن الحياة ياعزيزتي لعبة مؤلمة، ومن أهم قواعدها "الفقد"، فقد عزيز، فقد مباهج، فقدأماني، فقد أحلام، إلخ..
إما نفقدها وهي كانت لدينا، أو نفقد وصولها إلى حيز التنفيذ، وليس مهمتنا الجلوس بسلبية ناظرين إلى هذا الفقد بحسرة وكفي، بل مهمتنا التي لا تنكر علينا الشعور بالحزن لهذا الفقد، أن نتعلم كيف نتعامل معه، نفكر في أسباب عدم حدوثه ومدى مسئوليتنا عنها، وكيف نوجد البدائل، وكيف ننسجم مع ما لا يمكن تغييره، هذا هو اختبارنا في هذه الدنيا، وهذه هي محنة الإنسان، كل إنسان.
من حقنا ومن الطبيعي أن نحزن ولا نكبت مشاعرنا على ألا نغوص فيها ونستغرق، ونغرق، فللألم ومشاعره دورًا ايجابيًا يدفعنا للتحرك والنهوض والبحث عن طريقة للخروج، عندها فقط يمكننا النجاة، وهو ما يتوجب عليك فعله، في أفكارك أولا حتى ينتقل إلى مشاعرك وما ستفعلينه من بعد، أي سلوكياتك وتصرفاتك وسعيك.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة.