قال د. حسن الصغير الأمين العام لهيئة كبار العلماء ورئيس أكاديمية الأزهر للتدريب خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة احتفال كلية اللغة العربية بأسيوط بعيدها الخمسين؛ إن هناك نقاط التماس بين الفقه وبين الشريعة وبين اللغة العربية؛ حيث تمثل اللغة العربية أهمية كبرى لباحث الفقه، فالفقه هو العلم بالأحكام الشرعية من الأدلة، وأصول الفقه عبارة عن القواعد التي يتم من خلالها استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية، وأغلب العلماء على أن العلم بالقواعد التي تستنبط بها الأحكام الشرعية أي بقواعد اللغة.
أضاف الصغير أن اللغة العربية لها النصيب الأكبر في مجال معرفة دلائل الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد؛ ولذا يشترط في التعامل في الفقه وفي ضوابط الاجتهاد وضوابط الفتوى بعد معرفة الكتاب والسنة، معرفة القواعد العربية، ومعرفة أسرار اللسان العربي؛ مشيرًا إلى أن اللغة العربية العامل الرئيس في ضبط الاجتهاد، وضبط الحكم المستنبط وضبط الفتوى.
أوضح الأمين العام لكبار العلماء أنه لا سبيل للتجديد في الفقه إلا بالرجوع إلى أهل اللغة؛ وذلك من خلال كليات اللغة العربية بأقسامها المختلفة؛ حيث نعتمد في التجديد على التراث، وتحقيق التراث وتنقيته وتصحيحه وحسن التعامل معه قسم من اللغة العربية، وكذلك التعامل مع معطيات التراث من الناحية اللغوية، مضيفًا أن التعامل مع النظريات الفقهية المتأصلة في التاريخ الفقهي تحتاج إلى الدراسات التاريخية المتعلقة بالاجتهاد الفقهي، وأن الاجتهاد الجماعي لا يعرف التخصص وإنما يجب أن يجمع كل عناصر الاجتهاد.
من ناحية أخري شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. نظير عياد في فعاليات احتفالية كلية اللغة العربية بأسيوط بعيدها الخميسن؛ وذلك بحضور د. محمد عبد المالك نائب رئيس الجامعة لفرع الوجه القبلي، ود. حسن الصغير أمين عام هيئة كبار العلماء، ود. رفعت علي عميد كلية اللغة العربية بأسيوط، ود. محمد عبد المولى نائب رئيس جامعة أسيوط، ود. محمود توفيق عضو هيئة كبار العلماء، ود. محمود الهواري الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بالمجمع.
وقال الأمين العام في كلمته إنه من المعلوم أن كل أمة من الأمم تفتخر بلغتها وتعتز بها وتعتقد أنها أفضل اللغات، ولا عجب في ذلك، فاللغة هي هوية الأمة وسبيل مجدها وتاريخ حضارتها، كما أنها بالنسبة للأمم جميعًا أداة تواصلها وطريقة تفكيرها، ورمز عزتها، ومصدر فخرها، وأسلوب حياتها؛
وأكد أن اللغة للأمة العربية هي كل هذا وتزيد عليه أنها لغة دينها وكتاب ربها، جعل الله فهمها ضرورة وتعلمها شرفا، لهذا كان ارتباط المسلم بلغته مختلفًا عن ارتباط أي إنسان بأية لغة أخرى، إذ لا يستطيع المسلم أن يقرأ كتابه بغير لغته التي نزل بها، كما لا يتأتى له القيام بأداء شعائره وإتمام عباداته بدونها.
أضاف عياد أن اللغة العربية وسيلة المسلم لفهم مقاصد النص القرآني ومعانيه وغاياته الكبرى المتمثلة في تلقي الأحكام الشرعية منه؛ ولذلك استعان العلماء باللغة العربية وفنونها في فهم مراد الله في كتابه والكشف عن أسراره، وتحديد دلالاته، ونظر إليها العلماء على أنها من الدين حيث إن فهم مراد القرآن والسنة من أوجب الواجبات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،
أوشار إلى أن معرفة اللغة العربية شرط في فهم القرآن الكريم لأن من رام تفسيره، وسعى إلى الكشف عن مضامينه والوقوف على أسراره وقوانينه، وهو لا يعرف لغته التي نزل بها فإنه لا شك سيقع في الزلل، ولن يخلو قوله من خلل فمن قال إنه يفهم القرآن الكريم دون حاجة إلى اللغة العربية فقد قال محالًا وادعى مستحيلًا .
أوضح الأمين العام أن اللغة العربية مهمة جدًا للعلوم الشرعية بشكل عام، ولعلوم القرآن والتفسير بشكل خاص؛ ومن ثم فقد أولاها العلماء موفور العناية، ومزيد الاهتمام؛ حيث حرص العلماء على دراسة اللغة وارتبط ذلك بحرصهم على فهم القرآن من جهة ودراسة لغته من جهة أخرى باعتبارها مصدر العقائد والأحكام والتشريعات، مضيفًا أن القرآن الكريم أعطى اللغة العربية أكثر من كونها لغة، فقد حافظ عليها بحفظ الله تعالى له، كما قال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فاستمدت منه كمالها وجلالها وجمالها، فكان لها سببًا من أسباب السماء.
اقرأ أيضا:
ما هو الفرق بين البيت العتيق والبيت المعمور؟ ومكان كل منهما؟وأشار عياد إلى أن اللغة العربية فضلها كبير وشأنها عظيم؛ حيث انتقلت من كونها لغة خاصة إلى لغة كونية حين أصبحت لغة القرآن الكريم، وحوت عقيدة كونية أعلنت عن نفسها عقيدة للبشر عامة؛ وهذا ما جعلها في أقل من قرن، لغة عالمية كبرى تشكلت في أطرها وسياقاتها أسس الحضارة الكونية العظمى التي سادت العالم قرونا عديدة، وامتدت على مساحات شاسعة من قارات العالم القديم، وغدت لغة الحضارة الإنسانية التي انحلت في بوتقتها لغات وحضارات متعددة، وشكلت حلقة محورية في الحلقات الحضارية الإنسانية الكبرى، وظلت عبر القرون لغة الحياة والعلم والفكر الإنساني.
وختم الأمين العام كلمته بالتأكيد على ضرورة التمسك باللغة العربية، والحفاظ عليها والعمل على استعادة مكانتها؛ خصوصًا مع كثرة التحديات وتعدد المعوقات التي تعمل على وأد اللغة والاستهانة بها والخروج بها والدعوة إلى استبدالها أو العمل على تغييرها أو على الأقل مسخها باعتبار ذلك يؤدي إلى مسخ الهوية، موضحًا أن العربية تعاني ما تعانيه الأمة، ولكنها تملك على الرغم من كل ما أصابها ويصيبها من وهن ومن جناية أبنائها عليها عناصر قوة تمكنها من التجدد والانتشار، لكونها مرتكز العقيدة الإسلامية، ولغة حضارة كونية ما زالت تفرض حضورها في العالم حتى يومنا هذا، ولغة تمتاز بمرونة وقابلية غير محدودة للتعبير عن الفكر والعلم والمعارف الإنسانية.