توصلت دراسة حديثة إلى أن الأمهات الأكثر صرامة في التعامل مع الأطفال يعاني أبناؤهن من خطر الإصابة بالاكتئاب في وقت لاحق من حياتهم.
وسأل الباحثون، المراهقين أكثر من 1100 سؤال حول الوالدين، مثل مدى صرامتهم، وما إذا كانوا يعاقبونهم على فعل أشياء غير مسموح بها، وتجاهلهم عندما يغضبونهم، ويجعلونهم يشعرون بالذنب، ويتحدثون عن أخطائهم الماضية.
وبناءً على إجاباتهم، اختاروا 23 شابًا كان لآبائهم أسلوب تربية صارم أو قاس أو متلاعب. وعلى الرغم من أنهم سألوا الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم، لكن الباحثين ركزوا على الأمهات اللواتي يستخدمن أساليب الأبوة الصارمة والاستبدادية بشكل مفرط.
وقارنوهم بأطفال آخرين كان أسلوب آبائهم في التربية أكثر لطفًا، والذين وضعوا القواعد الخاصة بذلك، الأمر الذي أرجعوه إلى كونهم أحبوا أطفالهم، ولم يفرطوا في معاقبتهم أو تجنبهم لارتكاب أخطاء.
تغييرات في النشاط في الجينات المختلفة
واستنتج الباحثون، أن الأطفال الذين لديهم آباء صارمون للغاية كان لديهم تغييرات في النشاط عبر العديد من الجينات المختلفة، التي يمكن أن تجعلهم أقل قدرة على التعامل مع تقلبات الحياة.
وربطت دراسات سابقة هذه التغييرات الجينية بالاكتئاب في وقت لاحق من الحياة.
وأظهرت نتائج الاستبيان، أن 23 طفلاً - وصِف آباؤهم بأنهم صارمون للغاية- يعانون من أعراض اكتئاب أكثر، مثل الشعور بالحزن والوحدة، أو أن الناس لا يحبونهم، على الرغم من عدم إصابة أي منهم بالاكتئاب السريري.
وقال الدكتور إيفلين فان آش، الذي يعمل بجامعة مونستر، والذي قاد الدراسة بجامعة لوفين في بلجيكا: "الأبوة الصارمة للغاية يمكن أن تغير طريقة عمل الحمض النووي، من خلال التسبب في الإجهاد في مرحلة الطفولة مما يجعل الناس أقل قدرة على تحمل الإجهاد في وقت لاحق من الحياة، وأكثر عرضة للاكتئاب".
وأضاف: "نوع الآباء الصارمين الذي نتحدث عنه هم أولئك الذين سيرسلون أطفالهم إلى غرفتهم لعدم تناول الخضار، بدلاً من محاولة تشجيعهم على تناوله، أو الصراخ عليهم بسبب قدومهم متأخرين، بدلاً من شرح سبب وجوب أن يكونوا في المنزل مبكرًا".
وبدأت الدراسة، التي قدمت في المؤتمر السنوي للكلية الأوروبية لعلم الأدوية النفسية والعصبية، في فيينا، بسؤال أكثر من 1100 طفل تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عامًا عن والديهم، خلال استبيان مكون من 64 بندًا لملئه.
ويميل الأطفال الذين لديهم "آباء جيدون" إلى الإبلاغ عن مناقشة المشكلات معهم، والشعور بالتحسن والاستماع إليهم، بينما يتم مساعدتهم في اختيار اتجاههم في الحياة.
واتفق أولئك الذين لديهم آباء صارمون بشكل مفرط مع عبارات مثل أن والديهم عاقبوهم، وحاولوا تغييرهم، وقاطعوهم ولاموهم على مشاكل أفراد الأسرة الآخرين، وجعلوهم يشعرون بالذنب تجاه الأخطاء، وأن والدهم تجاهلهم أو توقف عن التواصل البصري عندما أصيبوا بخيبة أمل من سلوكهم.
ودرس الباحثون الحمض النووي لـ21 طفلاً من أبوين "جيدين" و23 من أبوين صارمين للغاية، وفحصوا أكثر من 450 ألف جزء من شفرتهم الجينية. وكانوا يبحثون في عملية وراثية تسمى المثيلة، والتي يمكن أن تؤثر على السلوك.
وأظهرت النتائج، أن الأطفال الذين لديهم آباء أكثر صرامة كان لديهم نشاط "تبديل باهت" أقوى عبر عدد كبير من الجينات- وهو نمط من نشاط الدماغ يظهر أيضًا في البالغين المصابين بالاكتئاب.
اقرأ أيضا:
أصبت بالاكتئاب بعد وفاة أمي وتعالجت لكنني انتكست .. ما العمل؟أكثر عرضة لخطر الإصابة بالاكتئاب
وتشير الدراسة إلى أن الأطفال الذين لديهم آباء أشد قسوة هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالاكتئاب، على الرغم من عدم تعرض أي منهم للاكتئاب في الواقع، لأن لديهم أعراض اكتئاب أكثر من الأطفال الذين لديهم آباء "جيدون" في الاستبيان.
وهذا يعني، على سبيل المثال، أنهم أقل عرضة للإبلاغ عن مشاكل مثل عدم التطلع إلى الأشياء أو الشعور بالحزن أو فقدان النوم.
وقال الدكتور فان أش: "اكتشفنا أن الأبوة القاسية المتصورة، مع العقاب البدني والتلاعب النفسي، يمكن أن تقدم مجموعة إضافية من التعليمات حول كيفية قراءة الجين ليصبح صلبًا في الحمض النووي. لدينا بعض المؤشرات على أن هذه التغييرات نفسها يمكن أن تعرض الطفل النامي للاكتئاب".
وأضاف، وفقًا لصحيفة "ديلي ميل": "هذا لا يحدث بنفس القدر إذا كان الأطفال قد حصلوا على تربية داعمة أقل إرهاقًا".
وقال البروفيسور كريستيان فينكرز، من المركز الطبي بجامعة أمستردام، والذي لم يشارك في البحث: "هذا عمل مهم للغاية لفهم آليات كيف أن التجارب السلبية أثناء الطفولة لها عواقب طويلة الأمد على الصحة العقلية والصحة البدنية. هناك الكثير لنكسبه إذا تمكنا من فهم من هو في خطر، وأيضًا سبب وجود تأثيرات مختلفة للأبوة الصارمة".