نعلم أن القرآن مقسم بين سور مكية -أي نزلت طوال الـ13 عامًا التي قضاها نبي الله صلى الله عليه وسلم في مكة- أي قبل الهجرة، وسور مدنية -أي تلك الأخرى التي نزلت على قلبه عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة- أي بعد الهجرة، لكن كثير منهم لا يعرف الفرق بينهما.

وذكر بعض العلماء من الفروق بين السور المكية والسور المدنية، أن الخطاب بـ (ياأيها الناس) يكون في السور المكية، والخطاب بـ (ياأيها الذين آمنوا) يكون في السور المدنية، ذلك أنه في مكة لم يكن جميع الناس مسلمين، بينما في المدينة كانت دولة المسلمين الأولى لاشك.

وفي ذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه: «الغالب على أهل مكة الكفر، فخوطبوا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ"، وإن كان غيرهم داخلًا فيها، وكان الغالب على أهل المدينة الإيمان، فخوطبوا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"، وإن كان غيرهم داخلًا فيهم».

مكي ومدني

ونص كلام ابن مسعود هو، كما رواه الحاكم، والبيهقي، وغيرهما: «كل شيءٍ نزل فيه: "يا أيها الناس"، فهو بمكة، وكل شيء نزل فيه: "يا أيها الذين آمنوا"، فهو بالمدينة»، وفي ذلك يقول الفقيه العلامة بدر الدين الزركشي: «وقد نص على هذا القول جماعة من الأئمة، منهم: أحمد بن حنبل، وغيره، وبه قال كثير من المفسرين، ونقله عن ابن عباس.

وهذا القول - أي: قول ابن مسعود - إن أخذ على إطلاقه، ففيه نظر، فإن سورة البقرة مدنية، وفيها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (البقرة:21)، وفيها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا (البقرة:168)، بينما سورة النساء مدنية، وفيها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ (النساء:1)، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ (النساء:133)، وسورة الحج مكية، وفيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (الحج:77)، لذا فإن المفسرون رأوا أن الغالب في ذلك، هو صحيح؛ وليس بعام، ذلك أنه في كثير من السور المكية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.

اقرأ أيضا:

من دلائل الإعجاز القرآني.. ماذا سيحدث للسفن إن سكنت الريح؟ (الشعراوي يجيب)

أحكام السور المكية

أيضًا هناك أحكامًا تضمنتها السور المكية، وأخرى في السور المدنية، ومن ذلك ما رواه مسلم عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: (أَلِمَن قتل مؤمناً مُتعمّداً من توبة؟ قال: لا. قال: فتلوت عليه هذه الآية التي في الفرقان: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) إلى آخر الآية. قال: هذه آية مكيّة نسختها آية مدنيّة: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ)).

وفي ذلك تقول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «لقد نزل بمكّة على محمد -صلى الله عليه وسلم- وإني لجارية ألعب: (بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده».. أيضًا يقال إن كل سورة فيها قصة نبي الله آدم عليه السلام وإبليس فهي سورة مكية، باستثناء سورة البقرة، وكل سورة تُفتتح بالحروف المقطعة مثل: (الم) و (الر) وغيرها من الحروف فهي سورة مكية، باستثناء سورتي البقرة وآل عمران.