كان من النادر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تمرَّ عليه ليلة دون قيام، وإذا فاته القيام فقد سن لنا القضاء، فكيف يكون القضاء؟ وما هدي النبي فيه؟338- سُنَّة قضاء قيام الليل
قيام الليل من أشرف العبادات وأعظمها، وهو أحبُّ صلاة إلى الله بعد الصلوات المفروضة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ»[1]. لذلك كان من النادر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تمرَّ عليه ليلة دون قيام.
بل كانت له سُنَّة عجيبة تُبَيِّن مدى ارتباطه بهذه العبادة العظيمة، وهي سُنَّة قضاء صلاة الليل إن فاتته في ليلة! فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم «كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً»[2].
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتصوَّر أن تفوته ليلة دون أن يُحَصِّل فيها أجر القيام، فإذا حدث أن مَرِض أو نام في إحدى الليالي عوَّض ذلك في صباح اليوم التالي! وبالإضافة إلى تحصيل الأجر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبُّ أن يترك عملًا صالحًا كان معتادًا عليه، وهذا هو المعنى الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً»[3]. فهو يُريد أن يُثْبِت العمل، أي يُوَضِّح ديمومته، وقد بَشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجر القضاء لا ينقص عن أجر الصلاة بالليل، فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ»[4].
فلنحرص على قيام الليل كل ليلة، فإن فاتتنا الصلاة في ليلةٍ فلنقضها في الصباح، ولْنسعد بسُنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم.
اقرأ أيضا:
الفرق بين الكرم والسفه.. بطون المحتاجين أولى فضل وأنوار قيام الليل
أولًا: من فضل صلاة الليل أنه من صفات عباد الرحمن والمؤمنين، وعلامة من علامات المتّقين، فمن اتصف به كان من المتقين النبلاء؛ لأنّه لا يقدر على قيام الليل إلا من وفّقه الله -تعالى- له، قال تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا».
ثانيًا: من فضل صلاة الليل أن الله -عزّ وجلّ- وعد من يقوم الليل بالمنزلة العالية والمقام المحمود، وهذا دليل على ما يترتب على قيام الليل من الأجر العظيم.
ثالثًا: من فضل صلاة الليل ، إجابة الدعاء، ففي الليل ساعة لا يسأل فيها المسلم شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه.
رابعًا: من فضل صلاة الليل ، أن قيام الليل بابٌ من أبواب الخير، ودليلٌ على شكر الله على نعمه، وفيه مغفرة للذنوب، ودخول الجنة.
خامسًا: من فضل صلاة الليل، أفضل صلاة بعد صلاة الفريضة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أفضل الصّيام، بعد رمضان، شهر الله المُحرَّمُ، وأفضل الصَّلاة، بعد الفرِيضة، صلاةُ اللَّيل».