هل يلزم المرأة خدمة زوجها.. وهل هذه من الحقوق الواجبة عليها التي يتضمنها عقد النكاح أم أن هذا يقع تفضلا منها وتكرما ولا يلزمها.. خلاف قديم بين الفقهاء يثيره البعض بين الحين والآخر.
الأسرة واستقراها مطلب شرعي جاء الإسلام ليرسخه وهو بهذا يضع ضوابط وأسا تضمن حقوق وواجبات كلا طرفي الأسرة الزوج والزوجة ولا تأتي على حساب أي منهما.
وبعيدا عن الحكم على النوايا فليست لنا فإن ما يثيره البعض لا يخلو من تضييع وقت ومحاولة تشتيت وتقويض شمل الأسرة التي تحكمها الأعراف التي تقضي بأمور لا تخالف شرع الله وبينهما وفاق.. فما الداعي لإزاحة المتعارف عليه ؟
آراء الفقهاء في خدمة المرأة زوجها:
اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها، والمفتى به وجوب ذلك بالمعروف، أما دليل الجمهور القائلين بعدم الوجوب، فهو كون عقد الزواج عقد على الاستمتاع فلا يقتضي الخدمة، لكن على كل حال فإنهم يجعلون هذا الأمر من محاسن العادات الجارية.
رأي ابن قدامة في خدمة المرأة زوجها:
يقول ابن قدامة (رحمه الله) : " ...ولنا - أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع، فلا يلزمها غيره، كسقي دوابه، وحصاد زرعه. فأما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين علي وفاطمة، فعلى ما تليق به الأخلاق المرضية، ومجرى العادة، لا على سبيل الإيجاب، كما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر، أنها كانت تقوم بفرس الزبير، وتلتقط له النوى، وتحمله على رأسها. ولم يكن ذلك واجبا عليها، ولهذا لا يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت، ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة والكسوة، ولكن الأولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به؛ لأنه العادة، ولا تصلح الحال إلا به، ولا تنتظم المعيشة بدونه." المغني لابن قدامة.
ماذا قال ابن القيم في خدمة المرأة لزوجها؟
ومن الرائع أن نذكر قِدم كلام الفقهاء في موضوع خدمة المرأة زوجها، ومن الأروع في هذ المقام ان نذكر كلام ابن القيم فلقد قال كلاما قيما في هذا نذكره على طوله كما جاء في كتابه زاد المعاد قال رحمه الله تعالى:
فصل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها.
قال ابن حبيب في الواضحة: حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله.
خدمة فاطمة بنت النبي لعلي بن أبي طالب:
وفي الصحيحين: أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادماً فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم فقال: "مكانكما" فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما إذ أخذتما مضاجعكما: فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم". قال علي: فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
خدمة أسماء لابن الزبير:
وصح عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتش له وأقوم عليه.
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ، فاختلف الفقهاء في ذلك، فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت.
عقد النكاح هل يتضمن الخدمة؟
وقال أبو ثور: عليها أن تخدم زوجها في كل شيء، ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء، وممن ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة، وأهل الظاهر قالوا: لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، وبذل المنافع. قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟ واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه.
ترفيه الزوجة:
وأما ترفيه المرأة وخدمة الزوج وكنسه وطحنه وعجنه وغسيله وفرشه وقيامه بخدمة البيت، فمن المنكر، والله تعالى يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228]. وقال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء:34]. وإذا لم تخدمه المرأة بل يكون هو الخادم لها، فهي القوامة عليه.
وأيضاً: فإن المهر في مقابلة البضع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها وما جرت به عادة الأزواج.
وأيضاً: فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة، وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعاً وإحساناً، يرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعلي لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحداً، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه لم يقل له: لا خدمة، وأن هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته تشكو إليه الخدمة، فلم يشكها، وقد سمى النبي في الحديث الصحيح المرأة عانية. فقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم" والعاني: الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده.