يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» (الحديد 25).
وهنا نجد أن الله عز وجل قال (أﻧﺰﻟﻨﺎ) ولم يقل (ﺧﻠﻘﻨﺎ) ولا أخرجنا كالعادة، وحين البحث وراء هذا اللفظ ستجد أن الحكمة من أن الله عز وجل قال: "أنزلنا" اكتشاف علميًا رهيبًا، ذلك أن الحديد لم يكن من طبقات الأرض ﻛﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻥ، ولكن ﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻋﻨﺪ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻷﺭﺽ، وهو عكس ما قاله المستشرقون من أنه حدث أثناء الانفجار العظيم "The big bang "، ذلك أن المفاجأة الكبرى أن ﺍﻟﺤديد بالأساس لم يتكون ﺣﺘﻰ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺠﻤوعتنا ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ﻭإﻧﻤﺎ ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ.
طاقة كبرى
والعبرة هنا أن (ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ) ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﻃﺎﻗﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ على ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻻ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ، بينما ﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺝ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﺍﻟﻼﺯﻡ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺩﺭﺟﺔ ﺣﺮﺍﺭﺓ (5 ﺑﻼﻳﻴﻦ) ﺩﺭﺟﺔ مئوية .. ودرجة ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ هذه بكل تأكيد غير متوفرة ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲ التي ﻳﺒﻠﻎ ﺩﺭﺟﺔ ﺳﻄﺤﻬﺎ نحو (6000) ﺩﺭﺟﺔ وﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺩﺭﺟﺔ فقط.
أيضًا فإن ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻫﻨﺎﻙ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻲ للكرﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ ﻣﺠﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ التي به تﺤﺎﻓﻆ على ﻏﻼﻓﻬﺎ ﺍﻟﺠﻮﻱ ﻭﻳﺤﻤﻴﻬﺎ ﻣﻦ الأشعة ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺒﻌﺜﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ .. وبالتالي لولاه لانتهت ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ على الأرض، وهنا تكمن حكمة الله.
أيضًا من الأمور المعجزة أن سورة تقع في ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، كما أن ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻷﺭﺽ.. إذ أن ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ هو (57)، ﻭﺳﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ الكريم (114) «ﺗﻌﺎﻟﻰ الله ﻋﻤﺎ ﻳﺸﺮﻛﻮﻥ».. إذ ﻳﺘﻜﻮﻥ ﻗﻠﺐ ﺍﻷﺭﺽ " ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ " ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ، فيما ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﻮﺯﻥ ﺍﻟﺬﺭﻱ ﻟﻠﺤﺪﻳﺪ ( 57) ﻭﻫﻮ ﺗﺮﺗﻴﺐ سورة الحديد ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ الكريم.. ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن يكون ذلك ﻣﺼﺎﺩﻓﺔً.
شديد البأس
والحديد عنصر فلزي شديد البأس، وهو أكثر العناصر ثباتًا، وذلك لشدة تماسك مكونات النواة في ذرته، التي تتكون من ستة وعشرين بروتونًا، وثلاثين نيوترونًا، وستة وعشرين إليكترونًا، ولذلك تمتلك نواة ذرة الحديد أعلى قدر من طاقة التماسك بين جميع نوى العناصر الأخرى؛، ولذا فهي تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة لتفتيتها، أو للإضافة إليها، وقد توصل أحد العلماء إلى أن الحديد لا يمكن أن يكون قد خلق في الأرض في الأساس أثناء تكوُّنها.
وهذا يعني أن الحديد قد هبط على الأرض من السماء، والسبب في ذلك أن ذرة الحديد حتى تتكون لا بد أن يتوافر لها طاقة تصل إلى ثلاث أو أربع أضعاف طاقة المجموعة الشمسية، وبذلك فهذا العنصر قد وفد إلى الأرض من الكون الخارجي، كذلك وجدت بعض البقايا من ذرات عنصر الحديد المحترقة نتيجة اصطدام الشهب والنيازك في الفضاء، وهذا يعني أنها تسقط على الأرض من الفضاء، في حين حاول البعض إثبات أن عنصر الحديد قد تكون داخل المجموعة الشمسية، وعند البحث في هذا الأمر تبين أن طاقة الشمس غير قادرة على دمج ذرات الحديد.
اقرأ أيضا:
"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"؟.. لن تصدق ما فعله الصحابة عند سماع هذه الآية؟ (الشعراوي يجيب)