المؤمن واضح في تصرفاته لا يبطن خلاف ما يظهر ولا يقول إلا صدقًا، ولهذا فإن دون ذلك من الصفات يكون فيه خداع وغش ومكر وكلها صور ينبغي للمؤمن التنزه عنها.
معنى الخداع:
والخداع إضمار غير الحقيقة أو إظهار الأمر على غير حقيقته لنية التكسب أو التربح أو تحقيق أي مصلحة ممن يخادعه.
وهي بهذا الوصف قرينة الكذب المحرم والكذب لا يهدي إلا إلى الفجور: " وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ..".
أيضا الخداع نوع من الغش، والغش في ديننا حرام؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ عَلى صُبْرَةِ طَعامٍ، فَأدْخَلَ يدهُ فِيهَا، فَنالَتْ أصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ "قَالَ أصَابتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: "أفَلا جَعلْتَه فَوْقَ الطَّعَامِ حَتِّى يَراهُ النَّاس، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا".
الخداع يشمل معظم المعاملات:
والخداع أو الخديعة له صور كثيرة شملت معظم المعاملات حتى المعاملات الخاصة بين الزوجين فربما تجد من يخدع زوجته أو تخدع زوجها،كما يكون في المعاملات المالية في البيع والشراء ومن هذا النَّجش، وهو أن يزيد في سعر السلعة ولا يريد في الحقيقة شراءها بل يرد الإيقاع بالمشتري ليأخذها بسعر مرتفع، وفي النهي عن ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تناجشوا".
وقد حرم الرسول الخديعة بكل صورها وتوعد من يقع فيها عمدا بالنار؛ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافا من أهل النار ومنهم: "وَرَجُلٌ لا يُصْبِحُ وَلا يُمْسِي إِلا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ". ومعناه: الرجل الذي لا يمر عليه زمن من الأزمان ليلاً ونهاراً إلا وهو يريد خداعك في أهلك بفعل الفاحشة، وفي مالك بأخذه ظلماً.
صور الخديعة:
وصور الخديعة كثيرة في زماننا للأسف الشديد منها ما يفعله بعض المتسولين الذين يوهمون الناس بغير الحقيقة رغبة في استعطافهم ونيل الأعطيات منهم فهم بذلك يخدعون من يسألونه المال بحيث يظهرون بمظهر المرضى، والمعتوهين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وهم ليسوا كذلك.
ومنها خداع النفس لصاحبها، وذلك يكون بتثبيط صاحبها عن الطاع وتحبيبه في المعصية وإظهار نفسه أنه على خير بخلاف الواقع {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}(يوسف:53).
ومن صوره ما يقع من بعض لعوام الذين يمدحون من لا يستحق بل يمدحون أحيانا المفسدين والمرتشين والظالمين وهو يعرفون حقيقتهم رغبة في نيل العطاء أو تحقيق مصالح منهم.
ومن صور الخديعة أيضا خداع بعض الناس لآخرين بإظهار غير ما يضمرون وهم يشابهون المنافقين في عملهم لأجل النَّاس، كما يقع ن بعض العمال الذين يتكاسلون عن عملهم ويخدعون أرباب العمل بإتمامه او أنه لا يمكن أن يتم إلا بهذه الصورة على خلاف الحقيقة، أيضا العكس بأن يخدع أصحاب الأعمال العمال بعدم إعطائهم أجرهم المتَّفق عليه، أو تكليفهم مِن الأعمال فوق طاقتهم.
ذم الله للمخادعين:
وأيا كانت صورة الخداع فهي مذمومة وهي من صفات المنافقين وقد ذم الله تعالى المنافقين الذين يبطنون خلاف ما يظهرون فقال: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 9). والمراد بقوله تعالى: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم}.