بعض الذين لا يريدون أن يحملوا أنفسهم على منهج الله يستعجلون مكاسب الصفقة. استعجالا أحمق. إنهم يريدون المتعة حراما أو حلالا.. نقول لكل واحد منهم: إن كنت مؤمنا بالآخرة: أو غير مؤمن فالصفقة خاسرة.. لأنك في كلتا الحالتين ستعذب في النار.. فكأنك اشتريت بإيمانك ودينك متعة زائلة.
وجعلت الكفر ومعصية الله هما الثمن فقلبت الآية، وجعلت الشيء الذي كان يجب أن يشتري بمنهج الله وهو نعيم الآخرة يباع.. ويباع بماذا؟ بنعيم زائل! وعندما يأخذ الإنسان أقل مما يعطي.. يكون هذا قلبا للصفقة.
فكأن الآية تقول: إنكم تدفعون آيات الله وما تعطيكم من خَيْرَيْ الدنيا والآخرة لتأخذوا عرضا زائلا من أعراض الدنيا وثمنه قليل. والثمن يكون دائما من الأعيان كالذهب والفضة وغيرهما.. وهي ليست سلعة. فهب أن معك كنز قارون ذهبا. وأنت في مكان منعزل وجائع. ألا تعطي هذا الكنز لمن سيعطيك رغيفا.. حتى لا تموت من الجوع؟ ولذلك يجب ألا يكون المال غاية أو سلعة. فإن جعلته غاية يكون معك المال الكثير.. ولا تشتري به شيئا لأن المال غايتك. فيفسد المجتمع.
المال عبد مخلص ولكنه سيد رديء
إن المال عبد مخلص. ولكنه سيد رديء. هو عبدك حين تنفقه. ولكن حين تخزنه وتتكالب عليه يشقيك ويمرضك. لأنك أصبحت له خادما.
والآية الكريمة.. تعطينا فكرة عن اليهود لأن محور حياتهم وحركتهم هو المال والذهب. فالله سبحانه وتعالى حرم الربا لأن المال في الربا يصبح سلعة. فالمائة تأخذ بمائة وخمسين مثلا.. وهذا يفسد المجتمع، لأنه من المفروض أن يزيد المال بالعمل. فإذا أصبحت زيادة المال بدون عمل. فسدت حركة الحياة. وزاد الفقير فقرا. وزاد الغني غنى. وهذا ما نراه في العالم اليوم.
فالدول الفقيرة تزداد فقرا لأنها تقترض المال وتتراكم عليها فوائده حتى تكون الفائدة أكثر من الدين نفسه. وكلما مر الوقت. زادت الفوائد. فيتضاعف الدين. ويستحيل التسديد. والدول الغنية تزداد غنى، لأنها تدفع القرض وتسترده بأضعاف قيمته.
وإذا قال الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} يجب ألا نفهم أنه يمكن شراء آيات الله بثمن أعلى.. لا.. لأنه مهما ارتفع الثمن وعلا سيكون قليلا. وقليلا جدا. لأنه يقابل آيات الله. وآيات الله لا تقدر بثمن. فالصفقة خاسرة مهما كانت قيمتها.
وقول الحق تبارك وتعالى: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} وفي الآية السابقة قال: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} وهي وعيد. ولكن {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} واقع. فقوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} هي وعيد وتحذير لما سيأتي في الآخرة. ولكن {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} يعني اتقوا صفات الجلال من الله تعالى. وصفات الجلال هي التي تتعلق ببطش الله وعذابه. ومن هذه الصفات الجبار والقهار والمتكبر والقادر والمنتقم والمذل. وغيرها من صفات الجلال.
الله سبحانه وتعالى يقول: اتقوا الله ويقول اتقوا النار كيف؟ نقول إن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نجعل بيننا وبين النار- وهي أحد جنود العذاب لله سبحانه وتعالى- وقاية. ويريدنا أن نجعل بيننا وبين عذاب النار وقاية. ويريدنا أيضا.. أن نجعل بيننا وبين صفات الجلال في الله وقاية. فقوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في الله وقاية. حتى لا يصيبكم عذاب عظيم. وكيف نجعل بيننا وبين صفات الجلال في الله وقاية؟ أن تكون أعمالنا في الدنيا وفقا لمنهج الله سبحانه وتعالى. إذن فالتقوى مطلوبة في الدنيا.