من المعلوم أن قلة النوم تترتب عليها مخاطر صحية، بدءًا من أمراض القلب إلى الاكتئاب، لكن من كان يعلم أن قلة النوم يمكن أن تجعل الشخص أنانيًا أيضًا؟، هذا ما انتهت إليه دراسة جديدة أجريت بجامعة كاليفورنيا.

قال ماثيو ووكر، مدير مركز علوم النوم البشري بالجامعة: "يوضح هذا العمل الجديد أن قلة النوم لا تلحق الضرر بصحة الفرد فحسب، بل تقوض التفاعلات الاجتماعية بين الأفراد، وعلاوة على ذلك، تحط من نسيج المجتمع البشري نفسه. كيف نعمل كنوع اجتماعي - ونحن كنوع اجتماعي - يبدو أنه يعتمد بشكل كبير على مقدار النوم الذي نحصل عليه".

واستنتج ووكر والمؤلف المشارك إيتي بن سيمون، زميل ما بعد الدكتوراه في علم النفس، أن عددًا متزايدًا من الدراسات، بما في ذلك هذه الدراسة، تُظهر أن قلة النوم تقوض الروابط بين الأفراد - وحتى السلوك الإيثاري للدول.

قال بن سيمون: "إذا كنت لا تحصل على قسط كافٍ من النوم، فهذا لا يضر فقط برفاهيتك، بل يضر برفاهية دائرتك الاجتماعية بأكملها، بما في ذلك الغرباء".

تأثير النوم على رغبة الناس في مساعدة الغير

وخلال مراجعة بحثية نشرت في دورية "بلوس بيولوجي"، وصف الباحثون ثلاث دراسات منفصلة قامت بقياس تأثير النوم على رغبة الناس في مساعدة الآخرين.

وفي إحداها، خضع 24 متطوعًا سليمًا لفحص الدماغ بعد ثماني ساعات من النوم وأيضًا بعد ليلة بلا نوم. وكشف التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن مناطق الدماغ المشاركة في التعاطف ومحاولة فهم رغبات واحتياجات الآخرين كانت أقل نشاطًا بعد ليلة بلا نوم.

قال بن سيمون: "عندما نفكر في أشخاص آخرين، فإن شبكة (نظرية العقل) هذه تشارك وتسمح لنا بفهم احتياجات الآخرين: ما الذي يفكرون فيه؟ هل يتألمون؟ هل يحتاجون إلى المساعدة؟، ومع ذلك، كانت هذه الشبكة ضعيفة بشكل ملحوظ عندما كان الأفراد محرومين من النوم. يبدو الأمر كما لو أن هذه الأجزاء من الدماغ تفشل في الاستجابة عندما نحاول التفاعل مع أشخاص آخرين بعد عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم".

وتتبعت دراسة أخرى، أكثر من 100 شخص عبر الإنترنت لمدة ثلاث أو أربع ليالٍ، وقياس مدة نومهم وعدد مرات استيقاظهم. ثم قاسوا رغبتهم في فتح باب المصعد لشخص آخر، أو مساعدة شخص غريب مصاب في الشارع، من بين سيناريوهات أخرى.

قال بن سيمون: "وجدنا هنا أن انخفاض جودة نوم شخص ما من ليلة إلى أخرى تنبأ بانخفاض كبير في الرغبة في مساعدة الآخرين من يوم تالٍ إلى آخر. أولئك الذين يعانون من قلة النوم في الليلة السابقة هم من أفادوا بأنهم أقل استعدادًا وحرصًا على مساعدة الآخرين في اليوم التالي".

اقرأ أيضا:

الشيء الوحيد الذي يجب عليك تجنبه إذا كنت تعاني من الاكتئاب!

تراجع التبرعات والتوقيت الصيفي 

وأخيرًا، أظهرت قاعدة بيانات تضم 3 ملايين تبرع خيري في الولايات المتحدة بين عامي 2001 و 2016، أن التبرعات انخفضت بعد التغيير الموسمي إلى التوقيت الصيفي.

وأفاد مؤلفو الدراسة، أن التبرعات انخفضت بنسبة 10 في المائة بشكل عام، وليس في المناطق التي لا يتغير فيها التوقيت.

قال والكر: "حتى" جرعة "متواضعة جدًا من الحرمان من النوم - هنا، مجرد فقدان ساعة واحدة من فرصة النوم المرتبطة بالتوقيت الصيفي - لها تأثير حقيقي للغاية وقابل للقياس على كرم الناس، وبالتالي، كيف نعمل كإنسان، عندما يفقد الناس ساعة واحدة من النوم، يكون هناك تأثير واضح على لطفنا البشري الفطري ودوافعنا لمساعدة الأشخاص الآخرين المحتاجين".

في دراسة سابقة، وجد ووكر وبن سيمون أن الحرمان من النوم يزيد من الشعور بالوحدة، ويجعل الناس ينعزلون، وعندما يتفاعلون مع الناس، ينشرون وحدتهم للآخرين.

وأضاف والكر: "بالنظر إلى الصورة الكبيرة، بدأنا نرى أن قلة النوم تؤدي إلى فرد اجتماعي تمامًا، ومن منظور مساعد، غير اجتماعي، والذي له عواقب متعددة على كيفية عيشنا معًا كنوع اجتماعي"، محذرًا من أن"قلة النوم تجعل الناس أقل تعاطفًا، وأقل كرمًا، وأكثر انسحابًا اجتماعيًا، وهي معدية - هناك عدوى للوحدة".

وقال بن سيمون إن تشجيع الناس للحصول على قسط كافٍ من النوم يمكن أن يساعد في تشكيل الروابط الاجتماعية. وأبلغ أكثر من نصف الأشخاص في البلدان المتقدمة عن عدم حصولهم على قسط كافٍ من النوم.

قال ووكر: "في هذه الأوقات المثيرة للانقسام، إذا كانت هناك حاجة على الإطلاق إلى مادة تشحيم قوية وذات طابع اجتماعي لتمكين أفضل نسخة من أنفسنا داخل المجتمع، يبدو الآن الأمر كذلك. قد يكون النوم مكونًا رائعًا يمكّن من المساعدة بين البشر".