عندما يطرق أحد باب البيت، وحتى قبل أن يعرف من الطارق، ربما يطلب الأب من ابنه أن يبلغه بأنه "غير موجود"، فيخرج الابن أو الابنة فيبلغ الضيف بالفعل بذلك، فعلى من يُحتسب الكذب، الابن أو الابنة، أم الأب؟.
الأب هنا يقع في خطأ كبير جدًا، خصوصًا إذا كان الابن مازال طفلا، لا يُفرق بين الصواب والخطأ، فهو هنا يربيه على الخطأ، وعلى الكذب، ويضع في نفسه حقيقة مفاداه أن الكذب نجاة، وهو أمر مستحيل أن يكون صوابًا، ذلك أن تنشئة الأطفال على الاعتقاد الصحيح حماية للأمة من الزيغ والضلال، ولهم من الفتن والانحرافات في المستقبل، والأهم أن الاهتمام بتعليم العقيدة للأطفال هو منهج الأنبياء عليهم السلام والمصلحين، قال تعالى عن نبي الله إبراهيم عليه السلام: «ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ» (البقرة: 132).
الكذب منجاة!
يتصور الأب في هذه الحالة، أن الكذب سينجيه من هذا الزائر، خصوصًا إذا كان صاحب حق أو دين، ولا يدري أن الكذب يزيد من حجم المشكلة، فول صدق لنجاه الله لاشك، ذلك أن الصدق هو المنجاة الحقيقية وليس الكذب، مهما كانت دوافعه وظروفه، فلو كنت صدقت عزيزي الأب لنجاك الله عز وجل من هذا المأزق، وكان صدقك خيرًا لك في دنياك وآخرتك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».
اقرأ أيضا:
هل يقف الإسلام وراء جرائم الدفاع عن الشرف؟ وما هي ضوابط إقامة حد الزنا؟جريمة الكذب
إذن مما لاشك فيه، أن الآباء الذين يربون أبناءهم على الكذب منذ الصغر، فهم يرتكبون جريمة مكتملة الأركان، لأنهم يساهمون في خلق جيل غير واعي، يبحث عن التلفيق والكذب للخروج من أي مأزق وإن كان بسيطًا، وكم من طفل نسي عمل الواجب المدرسي، وحين تسأله مدرسته، يقول بإنه كان متعبًا وأخذه والده للطبيب، رغم أن ذلك لم يكن قد حدث بالفعل، فكيف بهذا الطفل حين يكبر؟.
مؤكد سيكبر معه مستوى الكذب يومًا بيوم، فتكون الطامة أكبر، فخطورة الكذب لا تقتصر على أنها مجرد صفة سيئة سوف تلتصق بالطفل بل إنه أول خطوة في طريق الفجور كما حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: إن الكذب يهدي إلى الفجور، ومن ثم فإن ردع الطفل عن هذا السلوك واجب حتمي على كل أسرة ولا يجب التقصير فيه، ذلك أن الآباء الذين يربون أطفالهم ويعودونهم على الكذب يرتكبون في حقهم وفي حق المجتمع كله جريمة كبرى لأنه بذلك يهديه إلى الغش والخيانة والاستهانة بحقوق غيره.