يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم، مما ورد عن قصة نبي الله يوسف عليه السلام: «وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ» (يوسف 17)، فما هي فائدة ذكر الظرف ( عشاءً) في الآية؟، لأنه لو تم حذف الظرف من الآية " وجاءوا أباهم يبكون" ينتقص المعنى، إذ أنه ما من حرف ولا كلمة وردت في القرآن الكريم إلا ولها معنى ومعانٍ، حتى وإن كانت فيما اعتبره النحويون زائدة.
وروي أن نبي الله يعقوب عليه السلام سمع صياحهم وعويلهم فخرج وقال : ما لكم يا بني هل أصابكم في غنمكم شيء ؟ قالوا : لا . قال : فما أصابكم وأين يوسف ؟.. وهنا كانت الإجابة التي تضمنها القرآن الكريم «قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ» (يوسف 17).
ثلاث فوائد
وهنا لو توقفنا أمام الظرف (عشاءً) في الآية الكريمة لوجدنا فوائد ثلاثًا، الأولى، أن اللعب واللهو غالبًا ما كان ينتهي عند الغروب وهم أرادوا أن يصل إلى أبيهم أنهم استنفدوا كل الوقت بحثًا عن أخيهم وهو ما أخر رجوعهم إلى العشاء، والثانية، وهي الفائدة الأهم أنهم أرادوا أن يدخلوا على أبيهم ليلًا والليل أستر للوجوه الكاذبة، وأخفى للتعبيرات الخادعة، وبخاصة إذا كان الكذب مصحوبًا ببكاء زائف متصنع.
أما الفائدة الثالثة، فمن فوائد ذكر الظرف في الآية أنهم لما عادوا لأبيهم عشاءً وقصوا عليه ما كان وهم كاذبون أرادوا أن يسدوا على أبيهم طلب البحث عن يوسف سواء بمفردهم أو بصحبة أبيهم ، وكيف لهم البحث في هذا الليل المظلم الموحش الذي لا يرى فيه الإنسان وجه صاحبه، فيما أهل المعاني : إنهم جاءوا في ظلمة العشاء ليكونوا أجرأ على الاعتذار بالكذب.
اقرأ أيضا:
عزازيل صاحب النوايا الخبيثة.. قصة الشيطان من الأسر للغوايةالبكاء الخادع
للأسف لو طبقنا ما فعله أخوة يوسف هذه الأيام، سنجد العجب، إذ أن كثيرين يخدعون الناس ببراعة نزول دموعهم، فيحصلون على ما يريدون وهم قتلة أو سفلة أو آكلي حقوق، أو متآمرين لأذى الناس، وروي أن امرأة تحاكمت إلى شريح فبكت فقال الشعبي : يا أبا أمية ما تراها تبكي ؟ قال : قد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمة كذبة ، ومن ثمّ لا ينبغي للإنسان أن يقضي إلا بالحق، ولا يهزه بكاء التماسيح، فمن الناس من امتهن التمثيل، وهم أشر الناس، قال تعالى: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ».