والحق سبحانه إما أن يشل الجوارح ويعطلها ويمنعها من الحركة، أو يأخذ الروح من الجسد، فعندما يشل الجوارح ويمنعها ينام الإنسان، وعندما يأخذ الروح ويمسكها يحدث الموت. ولذلك يجب أن نفهم أن للنوم قانوناً، ولليقظة قانوناً، وللموت قانوناً، ولكل قانون قواعده، فلا قانون اليقظة كقانون النوم، ولا قانون النوم كقانون الموت، ولا قانون البعث كقانون الموت. فهناك يقظة، ونوم، وموت وبعث، ومن الخطأ أن نأخذ قانون حالةٍ ما لنطبقه على الحالة الأخرى.
إن الحق يضرب لنا المثل الواضح فينا: فالإنسان منا له حالة من اليقظة تسيطر الروح فيها على حركته الاختيارية، وعندما ينام تعجز الروح عن الحركة الاختيارية وتبقى الحركات الاضطرارية. فعندما ينام الإنسان قد يرى بعضاً من الرؤى والأحلام يقابل فلانا ويراه مرتدياً زياً معيناً بألوان معينة، فبأي شيء أدرك الألوان وعيونه مغمضة؟، إذن فهناك وسائل إدراك غير العين. وكذلك الزمن يأخذ حظه في أثناء اليقظة، لكن في أثناء النوم يرى الإنسان حلماً في سبع ثوان ويحكيه في نصف ساعة. وقد ينام اثنان في فراش واحد، أحدهما يحلم بأنه التقى بالأحباب والأصحاب ويأكل ويشرب ويسعد ويأنس، والآخر يحلم بأنه التقى بأعدائه وعانى منهم ومن عراكه معهم، إذن فالزمن اختلف وكذلك المعيّة. وهكذا اختلف قانون النوم عن قانون اليقظة. وكذلك يختلف قانون الموت عن قانون الحياة. { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأنعام: 60].
والجارحة كما قلنا هي التي تعمل ليكسب الإنسان. إذن فقد جاء لنا الحق بكل حالات اليقظة والنوم والموت والبعث. ولكل حالة قانونها، ونحن نعرف قانون اليقظة وقانون النوم لأننا نتعرض لهما، فإذا قيل لنا: إن هناك قانوناً للموت فنحن نقيس ذلك على ترقي القوانين من اليقظة إلى النوم، وعندما يقال لنا: إن هناك بعثاً فنحن نصدق أيضاً.