مرحبًا بك يا عزيزي..
أحييك وأحمد الله لك على نبوغك "النفسي" الذي دفعك على الرغم من عدم اشباع احتياج التقدير والاهتمام منذ صغرك من قبل والديك وأسرتك ، لمواصلة مسيرتك في النبوغ، والتميز.
البعض يا عزيزي عندما يقاسي ما قاسيت ينطفيء، أو يتعثر، أو ربما يلجأ لإدمان ما يهرب به وقع حرمانه من اشباع احتياجاته النفسية القاسي.
سأقص عليك يا عزيزي قصة مقولة "زامر الحي لا يطرب"، إذ يروى أن زمارًا شابًّا كان يقطن في حي من أحياء إحدى القرى، قد نبغ ومهر في العزف على المزمار، وقد دأب في كل ليلة قبل مغيب الشمس، يخرج آلته ويؤنس وحدته وهو يرعى قطيعه من الغنم، فكان العازف الشاب يشدو بأجمل الألحان التي تنقلها الرياح لأهل قريته، فيستمعون لمطلعها ثم ينشغلون بأعمالهم رغم عذوبة ألحانه، وكان إذا مرّ بينهم لا يعيرونه اهتمامًا ولا يشعرونه بحلاوة ما يصنع.
بقي الزمار الشاب على هذه الحالة يعزف كل في يوم من غير أن يسمع كلمة تحفيز أو تشجيع واحدة من أهل قريته، وفي يوم من الأيام مرّ عليه واحد من الرحالة، فاستوقفته ألحان الزمار الشاب، وطلب إليه أن يرافقه في مقابل أن يمنحه كل شهر ألف درهم، فوافق الشاب على عرض الرجل الرحالة، وسافر معه إلى قرية ليست ببعيدة، وهناك أعلنوا عن حفلة كبيرة عزف بها الشاب أعذب الألحان، ونال رضا وتصفيق الجمهور.
مع مرور الأيام، واستمرار الزمار الشاب بإقامة الحفلات، الواحدة تلو الأخرى، ذاع صيت الفتى وأصبح مشهورًا في كل القرى المجاورة، ثم إنه اغتنى الزمار وزادت شهرته، إلا أن حنينه وشوقه جعلاه يتمنى أن يعود إلى قريته، وطلب من الرحالة أن يذهب معه هناك ويقوما معًا بعمل حفلة كتلك الحفلات التي أقاموها في القرى المجاورة، إلا أن صديقه الرحالة نصحه بعدم الذهاب؛ ذلك أن أهل قريته لا يعيرون الفن أي اهتمام، كما أنه لا مال يُرجى في قريته.
غير أن حنين الفتى لأهله وأبناء قريته جعله يلح على الرحالة في العودة، وبالفعل بعد طول إلحاح وإصرار من الشاب، ذهب الاثنان معًا في موكب مهيب وكبير، ولما وصل الشاب إلى القرية أخذ يتأمل تلك الربوة التي كان يجلس عليها ويعزف أول ألحانه، وحينما دخل الشاب اجتمع حوله الناس، ولكن لرؤية من هو صاحب الموكب المهيب، ولما خرج عليهم لم يعرفوه من حسن مظهره وثرائه، حينها ابتسم الشاب، وأخرج نايه وأخذ يشدو به أجمل الألحان التي طالما سمعها الناس في قريته.
ما إن انتهى الشاب من عزف لحنه، توقف وانتظر أن يسمع صوت أهل القرية مصفقين معلنين إعجابهم، غير أنه لم يجد حوله سوى اثنين واحد منهما هو الرحالة والثاني كان شيخًا عجوزًا، فقال له الرحالة: يا صديقي، إن زامر الحي لا يطرب، وأما الشيخ العجوز فقال له: “إنك قد أخطأت إذ أتيت، وأخطأت إذ تدنيت، وأخطأت إذ تمنيت”، استغرب الشاب من كلام الرجل العجوز، وسأله عن الذي قصده بعباراته، فقال الشيخ الحكيم أما الأولى: ” فإنك أخطأت إذ أتيت من أرض رحبت بك إلى أرض طردتك، فليس بعد الزيادة إلا نقصان “، وأما الثانية: “فإنك أخطأت إذ تدنيت وكان يقصد بقوله ذلك الرحالة الذي كان يستغل الزمار الشاب، فيعطيه فقط ألف درهم ويكسب من ورائه ألف دينار”، وأما الثالثة: “فقد أخطأت إذ تمنيت أن تجد الخير في أهلك بعد أن وجدته في غيرهم"!
لاشك يا عزيزي أن عدم الطرب بزامر الحي لمرجد أنه "زامر الحي"، هو سلوك غير صحي، فهذا الزامر هو الأولى بالتصفيق والاعجاب والتشجيع والاحتفاء والاطراب، وعندما لا يتوافر لنا مثل هذا السلوك الصحي من أحبائنا فالحل في رأيي أن نسعد أنفسنا بالدوائر الأخرى ممن يطربون لنا ويقدروننا.
يا عزيزي.. أسعد نفسك وامتن لمن يطرب لك، ويقدرك، واعذر- إن أردت -من لا يفعل، ولا تلتفت ولا تهتم.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة.