يقول الله تعالى: "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ"، فلم يترك مسألة الجماع مباحة على إطلاقها، بل إنه قيده بقيود، كي لا يقع الزوجان فيما يغضب الله ولا يرضيه من جهة، وما قد يمرضهما من جهة أخرى، ومن ثمّ هناك جماع حلال يفضله الشرع الحنيف، ومن ذلك جماع الغيلة الذى أحله النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وأمرنا به.. وأمام ذلك فبمّ تشعر المرأة فيه.. ولماذا يخاف الرجال أن يفعلوه؟.
جماع الغيلة هو أن يجامع الرجل زوجته وهي مرضع، أو ترضع المرأة وهي حامل، فإنه لا حرج في ذلك، لما في الحديث الذي روته جدامة بنت وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم».
جماع المرأة أثناء الرضاع
وفي شرح الحديث السابق، يبين الإمام النووي رحمه الله، أن جماع الغيلة هو أن ترضع المرأة وهي حامل، يقال منه: غالت وأغيلت، فيما يقول بعض العلماء: إن سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها، أنه يخاف من ضرر الولد الرضيع، قالوا: والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء، والعرب تكرهه وتتقيه، بينما في الحديث جواز الغيلة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها، وبين سبب ترك النهي، وهو أن الروم وفارس لم يمنعوه، وفي ذلك يقول الإمام الزرقاني في شرح الموطأ: «فلا يضر أولادهم ذلك شيئًا يعني.. لو كان الجماع حال الرضاع أو الإرضاع حال الحمل مضرًا لضرّ أولاد الروم وفارس، لأنهم يصنعون ذلك مع كثرة الأطباء فيهم، فلو كان مضرًا لمنعوهم منه، فحينئذ لا أنهى عنه».
اقرأ أيضا:
سلم أمرك لله.. كل شيء يحدث في أرض الله بمقدور اللهجواز الغيلة
إذن في الحديث الشريف (جواز الغيلة)، وقد روى الإمام مسلم عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي أَعْزِلُ عَنْ امْرَأَتِي.. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ».
ومن ثمّ لو كان وطؤهن حرامًا لكان معلومًا من الدين، وكان بيانه من أهم الأمور، ولم تهمله الأمة، وخير القرون، ولا يصرح أحد منهم بتحريمه، والحاصل، أن الغيلة ليست حرامًا ولا مكروهة، حيث لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، لكن مَنْ تركها على سبيل الاحتياط للولد فلا حرج عليه.