مع اقتراب الساعة وتأخر الزمان وقبض العمل يظهر أدواء كثيرة لم تكن في أسلافنا . ومن هذه الأدواء داء التعالم.. فما معناه وما حقيقته؟
معنى التعالم:
التعالم هو ادعاء العلم قولا دون أن يكن هذا حقيقة .. فينسب أحدهم للعلم وأهله حتى يغتر العوام به فيلجأون إليه يستفتونه فيفتيهم بغير علم فيضل الناس بغير علم ..
ومن يفعل هذا يكون متجرئا على العلم لا سيما العلم الشرعي ، وهؤلاء المجترئون على الله تعالى بالقول عليه بغير علم أنهم على خطر عظيم وهم مرتكبون لواحدة من عظائم الذنوب: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)}.
ما سبب ظهور التعالم؟
والتعالم برغم ان داء عظيم يصيب بعض ضعاف النفوس إلا أنه في الوقت نفسه يعكس فضل العالم الذي لولا شرفه منا ادعوا نسبتهم إليه.
ويلجا المتعالمون إلى هذا لأسباب كثيرة لعل أشهرا .. حب الظهور والرغبة في إكبار الناس لهم وتعظيمهم والثناء عليهم ..وان ينظر لهم العوام نظرة خاصة ترضي غرورهم وكل هذا لا يبرر جهلهم وتطاولهم على العلم والعلماء.
جرم داء التعالم:
ولقد ذم الإسلام المتعالمين هؤلاء الذين يتكلمون في المسائل التي لو عرضت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر.
هؤلاء هم المتعالمون الذين يصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المُتَشَبِّعُ بما لم يُعْطَ كلابسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".(البخاري).
والمتعالمون يضلون الناس بصنيعهم هذا ولهذا فقد حذر الشرع المطهر من القول على الله تعالى بغير علم، قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الأنعام:144)، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}(الأعراف).
التعالم من افتراء الكذب على الله:
ولو يعلم هؤلاء المتعالمون أنهم بفعلهم هذا يفترون على الكذب ما فعلوا فالقول على الله تعالى بغير علم من أعظم الذنوب، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: "إن اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزِعُهُ من العبادِ، ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذَ الناسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفْتَوا بغيرِ علمٍ، فضلوا وأضلوا".
المتعالمون وقود النار:
وقد ورد التحذير منهم والتشنيع من فعلهم في أحاديث وآثار كثيرة منها ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يظهر الإِسلام حتى تختلف التجار في البحر، وحتى تخوض الخيل في سبيل الله، ثم يظهر قوم يقرأون القرآن، يقولون: " من أقرأ منا؟ من أعلم منا؟ من أفقه منا؟ " ثم قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " هل في أولئك من خير؟ " قالوا: " الله ورسوله أعلم " ، قال: " أولئك منكم من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار". (حسنه الألباني في صحيح الترغيب)، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: " إِن بين يدي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل، ويُرْفَع فيها العلم... ".(الحديث، رواه البخاري).
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل".(البخاري).
خائن للأمانة، ينطبق عليه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إِذا ضيِّعت الأمانة، فانتظر الساعة "، قيل: " كيف إضاعتها؟ " قال: "إِذا أُسند الأمر إِلى غير أهله فانتظر الساعة".(البخاري).