التوبة بحسب جمهور العلماء هي الرجوع إلى الله تعالى، وترك المعصية والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها. وهي واجبة على كل مسلم من جميع الذنوب، كبيرة كانت أو صغيرة ومن ثم فالتوبة أمر واجب على كل مؤمن، في كل حال، ومن كل ذنب. والتائب يحبه الله، والتوبة من أسباب الفلاح في الدنيا، وأن الله يقبل التوبة من عباده ويتجاوز عن الذنوب مهما عظمت.
وقد وردت التوبة في العديد من سور حيث قال تعالي القرآن الكريم حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم":
وقال تعالى كلك : ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾ (سورة البقرة)بل وقال الله في القرآن الكريم: " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " (سورة النصر)
وفي أية رابعة قال ربنا عز وجل: "فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "37" (سورة البقرة
الأمر جاء بشكل أكثر تفصيلا في قوله تعالي "" وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)﴾ (سورة النساء)
ولعل الملمح الأهم في التوبة تتمثل في الحقوق المتعلقة بالعباد، فمن تناول مثلا مالا بغصب أو خيانة أو غش في معاملة فيجب أن يفتش عمن ظلمه ليستحله أو ليؤدي حقه له أو لورثته، وليحاسب نفسه على القليل قبل أن يحاسب يوم القيامة، فمن لم يحاسب نفسه في الدنيا طال في الآخرة حسابه، فإن عجز فلا يبقى له طريق إلا أن يكثر من الحسنات بقدر كثرة مظالمه، فهذا طريق كل تائب في رد المظالم الثابتة في ذمته.
وووفقا لمنشور للدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فإن التوبة فيما يخص الأموال الحاضرة فليرد إلى المالك ما يعرف له مالكا معينا، وما لا يعرف له مالكا فعليه أن يتصدق به، فإن اختلط الحلال بالحرام فعليه أن يعرف قدر الحرام بالاجتهاد ويتصدق بذلك المقدار.
وفي المقابل يري جمعة أن الإساءة إلى الناس باللسان والوقوع فيهم بالغيبة فيجب عليه أن يعتذر إلى كل من تعرض له بلسانه أو آذى قلبه بفعل من أفعاله، فمن وجده وأحله بطيب قلب منه فذلك كفارته، ومن مات أو غاب أو تعذر استحلاله فقد فات أمره ولا يتدارك إلا بتكثير الحسنات؛ لقول الله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود:114].
ومن الثابت بحسب جمهور العلماء أن للتوبة ثلاثة شروط: أن تندم على الذنب، وأن تقلع عنه، وأن تعزم على ألا تعود إليه ثانية، وإن كان متعلقا بحقوق العباد رددت الحق إليهم.
اقرأ أيضا:
أدرك عمرك قبل فوات الأوان بهذه الطاعاتولذا فحين تستجمع التوبة شروطها فهي مقبولة بإذن الله، فإن نور الحسنة يمحو عن وجه القلب ظلمة السيئة، كما لا طاقة لظلام الليل مع بياض النهار، قال تعالى: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) [غافر:3]، وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [الشورى:25]، وقال ﷺ: «إن الله عز وجل يبسط يده بالتوبة لمسيء الليل إلى النهار، ولمسيء النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (صحيح مسلم)، وقال ﷺ: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (سنن ابن ماجه). ومن مهمات التائب إذا لم يكن عالما أن يتعلم ما يجب عليه في المستقبل، وما يحرم عليه حتى يمكنه الاستقامة. فاللهم بصرنا بذنوبنا لنرجع إليك، واجعل لنا من كل ذنب طريقا للفوز بما لديك