نحن اليوم بصدد مناقشة ظاهرة يشتكي منها الكثير من المراهقين والراشدين كذلك، وهي التفكير الزائد أو المتفاقم Overthinking، وعلينا أن نعي هنا أن المراهق هو راشد تحت التدريب يكتسب صفات الرشد بعدة طرق أهمها التماهي أو التوحد بالنموذج، والذي ينبغي أن يقوم به الرجال الكبار.
والرسالة التي ينتظرها المراهق هي: "لا تقلق، ستمر هذه المرحلة بكل تقلباتها وإرباكاتها، إلى مرحلة مستقرة نسبياً"، ومع هذه الرسالة يحتاج إلى يد داعمة تسنده حتى يجتاز هذا الاختبار بأعظم المكاسب وأقل الخسائر.
التفكير الزائد ..ماهيته..مخاطره
مع بدايات المراهقة ينتقل المراهق من نمط التفكير المجرد Concrete إلى المجاز Abstract، فيبدأ في فهم ما وراء الكلام، فبالنسبة للطفل "فلان قلبه أبيض" تعني أن لونه أبيض، بينما يفهم المراهق المعنى المجازي للكلمة، ومع تطور الفص الجبهي تبدأ القدرات التحليلية في الظهور؛ مما يؤدي لتطور ظاهرة التفكير الزائد، بل التفكير في عملية التفكير ذاتها.
التفكير الزائد قد يشمل الأسئلة الفكرية والثقافية والوجودية أيضاً، فلا تصبح ظواهر الأمور مقنعة بالنسبة له، فلديه قدرة ذهنية جديدة [التحليل] يحب أن يستمتع بها، والراشدون الذين تميل طبيعتهم إلى الحقائق المستقرّة نسبياً لا يتفهّمون هذه الطبيعة السائلة للمراهقين.
ويروى أن إسبرطة سقطت بينما كان مجلس الحكماء يناقش ما الذي وُجِد أولاً: الفرخة أم البيضة؟ وكانت جهود سقراط لمواجهة السوفسطائيين بدافع أن جهودهم الذهنية تؤدي إلى توسيع المشكلة وليس إلى استكشاف الحل.
التفكير الزائد لدى الراشدين والمراهقين
لا تقتصر مشكلة التفكير الزائد على المراهقين فقط، بل قد تمتد إلى مرحلة الرشد، وتعتبر إحدى سمات اضطراب القلق العام، حيث تتحول المشكلة من نمط غير فعّال من التفكير إلى مشكلة حقيقية لها تبعاتها الخاصة، ولذلك من الضروري فهم وتوجيه هذه الظاهرة.
اقرأ أيضا:
الزواج ليس نهاية الحكاية .. 7 أشياء يبحث عنها الرجل في المرأةحلول عملية لمشكلة التفكير الزائد
إليك بعض الاقتراحات المعينة:
أولًا: افهم دائرة التفكير المتفاقم الخاصة بك، وانتبه لبوادرها ومن ثم تعامل معها بشكل فعّال.
ثانيًا: اهرب ولا تقاوم، ويسميها البعض "اقلب القناة" وتعني قم بتغيير مجال التفكير، ويمكن ذلك من خلال تغيير وضعيتك في الجلوس أو النوم، أو استعمال النقطة التالية.
ثالثًا: استعمل تقنيات الاسترخاء، وهناك العديد من التقنيات المفيدة هنا منها الانتقال بالخيال، كأن تتخيل نفسك وقد انتقلت إلى حديقة أو شط بحر، وتركّز انتباهك على تفاصيل المشهد من حولك.
رابعًا: وجّه التفكير باتجاه الحل وليس المشكلة، ومن هنا تخرج رابحاً من اللعبة؛ فليس البحث العلمي سوى استغلال جيد للتفكير المتفاقم، وربما كان ابن الهيثم في نوبة منه وهو يفكر: (لماذا يبدو ظل الأشياء في ضوء الشمعة مقلوباً؟) قبل أن يخرج بنظرية المرايا، والثقوب والتي فتحت الباب لمجال الكاميرا والتصوير.
خامسًا: حدد ساعة معينة في اليوم لمراجعة النقاط الحارة، وقم بتأجيل أي فرصة تفكير متفاقم لهذه الساعة، وتذكر أنه ما إن تكتمل الدائرة المفرغة سيصعب عليك الخروج منها.
أحلام اليقظة والتفكير الزائد
تشبه أحلام اليقظة بناء قصورٍ في الرمال، والتي تتساقط بمجرد الانتهاء منها، بعد ضياع مدة لا بأس بها، وأنا لا زلت أذكر الفترات التي كنت أقضيها في أحلام اليقظة في هذه المرحلة. وتمثل أحلام اليقظة نمطاً من التفكير المتفاقم، وهو يختلف في أنه لا يسبب التوتر الضاغط للحالة السابقة، بل يستطرد معه صاحبه في خطط وتصورات قد تصل مع البعض لساعات من اليوم.
الاستفادة من التفكير الزائد
أفضل الطرق هي أخذ التفكير الزائد على محمل الجد؛ وباتباع نفس النصائح السابقة في خطوة 4، نضع هذه الأفكار على ورقة ونناقش الخطوات والأهداف المرحلية التي ستساعدنا للوصول لهذا الهدف الكبير. المرحلة التالية تكون بتحديد الأنشطة وعدم استغراق مدة طويلة في نشاط واحد، مع قطع الأنشطة الذهنية بنشاط بدني كالمشي في المكان أو لعب رياضة منزلية.
رجائي أننا بنهاية هذا المقال نكون قد تفهّمنا الشق الأول من نفسيّة المراهق، وهو عملية التفكير أو الذهن. وكما رأيت فالحل الأمثل هو مصاحبة هذه العمليات، وهو أمر لا يمكن القيام به بدون فهم.
د.شهاب الدين الهواري اختصاصي الطب النفسي
*بتصرف يسير
اقرأ أيضا:
قواعد الحزن السبعة.. هكذا تواجهها