إن قضية الموت هي سبيلنا لمواجهة أي ملحد، فإن قالوا إن العقل كافٍ لإدارة الحياة، وأنه لا يوجد شيء اسمه غيب.. نقول: الذي يتحكم في الخلق إيجاداً، هو الذي يتحكم فيه موتاً.. والحياة الدنيا هي مرحلة بين قوسين: القوس الأول هو أن الله يخلقنا ويوجدنا.. وتمضي رحلة الحياة إلى القوس الثاني.. الذي تخمد فيه بشريتنا وتتوقف حياتنا، وهو الموت. أي: أننا في رحلة الحياة من الله وإليه. إذن: فحركة الحياة الدنيا هي بداية من الله بالخلق، ونهاية بالموت.
إنهم عندما تحدثوا عن أطفال الأنابيب، وهي عملية لعلاج العقم أكثر من أي شيء آخر، ولكنهم صوروها تصويراً جاهلياً، وكل ما يحدث أنهم يأخذون بويضة من رحم الأم التي يكون المهبل عندها مسدوداً، أو لا يسمح بالتلقيح الطبيعي.. يأخذون هذه البويضة من رحم الأم، ويُخصِّبونها بالحيوانات المنوية للزوج، ثم يزرعونها في رحم الأم. إنهم أخذوا من خلق الله وهي بويضة الأم والحيوان المنوي من الرجل، وكل ما يفعلونه هو عملية التلقيح، ومع ذلك يسمونه أطفال الأنابيب.. كأن الأنبوبة يمكن أن تخلق طفلاً!! والحقيقة غير ذلك، فبويضة الأم، والحيوان المنوي للرجل هما من خلق الله، وهم لم يخلقوا شيئاً.
البقاء على قيد الحياة
إننا نقول لهم: إذا كنتم تملكون الموت والحياة فامنعوا إنساناً واحداً أن يموت بدلاً من إنفاق ألوف الجنيهات في معالجة عقم قد ينجح أو لا ينجح.. ابقوا واحداً على قيد الحياة.. ولن يستطيعوا. إن الموت أمر حسي مشاهد، ولذلك فمن رحمة الله بالعقل البشري بالنسبة للأحداث الغيبية أن الله سبحانه وتعالى قرَّبها لنا بشيء مشاهد.. كيف؟ عندما ينظر الإنسان إلى نفسه وهو حي.. لا يعرف كيف أحياه الله وكيف خلقه.. الله سبحانه وتعالى ذكر لنا غيب الخلق في القرآن الكريم، فقال جل جلاله إنه خلق الإنسان من تراب ومن طين، ومن حمأ مسنون، ثم نفخ فيه من روحه.
فالحق تبارك وتعالى أخبرنا عن مرحلة في الخلق لم نشهدها، ولكن الموت شيء مشهود لنا جميعاً.. وما دام مشهوداً لنا، يأتي الحق سبحانه وتعالى به كدليل على مراحل الخلق التي لم نشهدها.. فالموت نَقْصٌ للحياة، والحياة أخبرنا الله تبارك وتعالى بأطوارها، ولكنها غيب لم نشهده. ولكن الذي خلق قال: أنا خلقتك من تراب.. من طين. من حمأ مسنون. من صلصال كالفخار.. فالماء وضع على تراب فأصبح طيناً.. والطين تركناه فتغير لونه وأصبح صلصالا.. الصلصال.. جف فأصبح حمأ مسنونا، ثم نحته في صورة إنسان ونفخ الحق سبحانه وتعالى فيه الروح فأصبح بشراً.
ثم يأتي الموت وهو نقض للحياة، ونقض كل شيء يأتي على عكس بنائه. بناء العمارة يبدأ من أسفل إلى أعلى، وهدمها يبدأ من أعلى إلى أسفل.. ولذلك فإن آخر مرحلة من رحلة ما.. هي أول خطوة في طريق العودة، فإذا كنت مسافراً إلى الإسكندرية.