ترى بعض الناس يتهاونون في الاستعداد الموت، ويتصورون أن قلوبهم صلبة، ويستطيعون أن يتقبلوا خبر وفاة أي قريب عزيز لديهم بصدر يابس، وهو أمر إن كان فيه رضا بقضاء الله وقدره، فبالتأكيد من أعظم الأجر عند الله، أما إن كان لمجرد صلابة القلب أو تحرجه، فهو أمر آخر، إذ أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، بكى لفراق أحبته.
وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى على ابنه إبراهيم دون رفع صوت، وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، فعن جابر قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد عبدالرحمن بن عوف، فأتى به النخل، فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه، وهو يكيد بنفسه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، ثم قال: يا إبراهيم. إنا لا نغني عنك من الله شيئًا. ثم ذرفت عيناه، ثم قال: يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنًا عليك حزنًا هو أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب.
تقبل الموت
نعم الموت مصيبة، ولسنا نحن من وصفه بهذه الصفة، وإنما قال الله تعالى فيه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ» (المائدة 106).
والموت مكتوب على الجميع، فحتى أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم نعاه ربه في حياته: « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » (الزمر: 30)، ثم يأتي التساؤل القرآني مستنكرًا على من يظن لنفسه الخلود: « وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ » (الأنبياء: 34)، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق، مات، فكيف يتصور لأحد بعده خلود؟.
اقرأ أيضا:
هل يقف الإسلام وراء جرائم الدفاع عن الشرف؟ وما هي ضوابط إقامة حد الزنا؟أعظم المصائب
ومن ثمّ فقد كان أعظم مصيبة تعرض لها المسلمون، والأرض عمومًا، هي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مصيبة المسلمين بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليست مثل المصائب بالآباء والأمهات، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيرا منها».
فالمصيبة به صلى الله عليه وسلم ليست مثل المصائب الأخرى ولن تأتي مصيبة بعدها أعظم منها، ولن يأتي بعده صلى الله عليه وسلم، ولم يأت قبله من هو خير منه للبشرية، فهو أفضل خلق الله على الإطلاق.
وجاء في سنن أبي داوود عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ»، ولذلك قال لنا صلى الله عليه وسلم: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب».