ربما لا تسأل نفسك وأنت تأكل عيشهم وتدخل بيتهم، ثم تفشي أسرارهم وتفضح سترهم، كيف ستنظر في عينهم، دون خجل بعدما قمت بفضيحتهم، وكأنك اعتدت على هذه الأخلاق اللئيمة في الخيانة والغدر بأصحابك وجيرانك، فلا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة، وأصبحت من الذين قال الله فيه في كتابه الكريم: " {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ} {} [الأنفال: 71].
ومن يفعل ذلك يكون مثل امرأة لوط وامرأة نوح، قال الله عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } [التحريم: 10].
فإفشاء الأسرار والخيانة عمل من أعمال اللسان، والنجوى تقوم في الفقه الإسلامي على سوء الأخلاق، لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
وجعل البخاري بابًا في صحيحه بعنوان: "حفظ السر؛ أي: ترك إفشائه".
ويؤكد ذلك أدلة كثيرة أشرنا إليها ، ويضاف إليها قولُه صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاثٌ، إذا حدَّث كذب، وإذا وعَد أخلَف، وإذا اؤتمن خان)).
قال الغزالي: "إذا ائتمنه أحد بكلمة خانه بإفشائها للناس... فحفظ الأمانة صفة الملائكة المقرَّبين، والأنبياء والمرسلين، وشيمة الأبرار المتقين".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لِمَن لا أمانة له، ولا دِينَ لِمن لا عهد له)).
أشكال الخيانة
الخيانة من صفات المنافقين، فالمنافق إذا سنحت له فرصة الخيانة لم يضيعها أو يدعها تفوت؛ جريًا وراء المغنم، وأصل الخون النقص، كما أنَّ أصل الوفاء التمام، واستعماله ضد الأمانة؛ لأنَّ الخون النقص والضياع، وما أبشع الخيانة بقدر ما يعظم قدر الأمانة.
يقول الله تعالى : " إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً " [الأحزاب: 72].
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةومن صور الخيانة كالتالي :
1- خيانة الله ورسوله:
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " [الأنفال: 28] .
وأما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما .
2- خيانة النفس :
وهي أن يفعل المرء من الذنوب ما لا يطلع عليه إلا الله، ويخون به أمر الله تعالى بألا يفعل، مثلما وقع من بعض المسلمين من الرفث إلى النساء ليلة الصيام، فعن ابن عباس قال : كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : " عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ " [البقرة: 187] .
3- خيانة الناس وهي أنواع :
- الخيانة في الأموال : وتتمثل في أكل المال الذي يؤتمن عليه الإنسان، ومن ذلك مال الوديعة.
- إفشاء السر : وقد تكون خيانة الناس بإفشاء السر الذي يُؤتمن عليه الإنسان، إلا إذا كان في ذلك الإفشاء مصلحة أقوى، مثل: إظهار الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة أهل العدل، وصيانة مصلحة الأمة .
ولكن أكثر ما تكون الخيانة في إفشاء الأسرار الخاصة التي لا تهمُّ غير صاحبها، مثل عورات البيوت، وأسرار العائلات، والأزواج.. فليتقِ الله من يطَّلع على شيء من ذلك إذا ائتمنه عليه أصحاب الشأن؛ لاستشارة أو لقيام بينهم بصلح .
كما يكون ذلك الإفشاء وخيانة الأمانة ممن يطلعون بحكم علمهم على أسرار الناس، كالأطباء والممرضات فهؤلاء يعلمون من أسرار المرضى ما لا ينبغي أن يُذاع، وكذلك من يقومون بغسل الموتى، وتكفينهم، ودفنهم، فقد وجب عليهم ألا يخونوا أماناتهم، وأن يحفظوا ما علموا سرًّا.
ويُروى أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه : يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال : فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال : فقلت : يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه ؟! فقال : لا والله يا بني، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ، قال: فأتيت معاوية فأخبرته، فقال : يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ) [رواه ابن أبى الدنيا فى الصمت] .
- الخيانة في النصيحة : ومن صور خيانة الناس كذلك الخيانة في النصيحة، كمن يزكِّي فاسقًا، أو يخفي مالًا مسروقًا، أو يؤوي مجرمًا، أو يعين قاطع طريق. أو من ينصح غيره بما يؤذيه في الدنيا أو الآخرة من الإفساد وقطيعة الرحم.
- الخيانة الزوجية : وهي من أبشع صور الخيانة : خيانة الزوجة لزوجها في ماله وعرضه، بالسرقة والزنا، وخيانة الرجل لزوجته بالسرقة والزنا كذلك.