يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأعراف 180)، ومن أبرز هذه الأسماء التي وردت في القرآن الكريم سواء مباشرة أو بمعناها، اسم الله تعالى (المُحصي).
ومعناه الذي أحاط وعدَّ وأحصى كل شيء من مخلوقاته بعلمه؛ فلا يعزب عنه دقيقها ولا جليلها، وهو العليم بدقائق الأمور، والمحيط بجميع الأحوال جملة وتفصيلًا، قال تعالى يوضح ذلك: «لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا» (مريم: 93-94).
ولكن ولم يرد اسم الله المحصي في القرآن الكريم بلفظه الصريح، وإنما ورد بصيغة الفعل، كقوله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» (يس: 12)، وكقوله: «وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا» (الجن: 28)، وكقوله عز من قائل: «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا» (النبأ: 29).
دلالة الاسم
واسم الله المحصي إنما هو اسم يدل على كمال الله سبحانه وتعالى فهو لا تغيب عنه مثقال حبة من خردل ولا من ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، لا يغيب عنه شيء سبحانه وتعالى في الظاهر والباطن .. والإحصاء لابد أن يقتضي العلم ، ويقتضي القدرة ، ويقتضي التسجيل.
فليس هناك فوات لأي شيء وكل شيء عنده بمقدار سبحانه وتعالى أحصى الماضي والحاضر والمستقبل لأن هذه الكلمات ليس لها معنى في قبل الله، فالله سبحانه وتعالى لا يحُده زمان ولا يحويه مكان ولا يحِل في أشخاص ولا يتصل ولا ينفصل عن شيء قد خلقه إنما أمره إذا أراد شيء أن يقول له كن فيكون فأمره بين الكاف والنون من غير كاف ولا نون، ولمّ لا وهو القائل: «وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» (الأنعام: 59).
اقرأ أيضا:
خير المشي إلى المساجد.. هكذا علمنا رسول اللهالإحاطة
وللعلم فإنه ليس معنى المحصي مجرد علم عدد الأشياء كما يصنع البشر -مثلًا- في الإحصاء السكاني لمعرفة عدد مواطني دولة ما، بل المحصي عز وجل، يحيط بكل الأشياء جملة وتفصيلًا؛ فيعلم أعدادها وأحوالها وصفاتها ومميزاتها وعيوبها... فلا يخفى عليه شيء من أمرها، قال جل وعلا: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» (هود: 6).
لذا فقد عطف الله جل وعلا العد على الإحصاء في قوله تعالى: «لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا» (مريم: 93-94)، والعطف يقتضي المغايرة، فالله عز وجل قد أحاط وأحصى بعلمه كل المخلوقات يستوى عنده الدقيق منها والعظيم وما يكون منها في البر أو في البحر أو في السماء أو في الأرض، ويحيط ويحصي بجميع أحوالها وشئونها، قل تعالى يؤكد ذلك: «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» (الزخرف: 80).