تحدث الله عز وجل عن صفات المؤمنين وعلامات الوقار على رجولتهم، فالمؤمن له هيئة تحفظ رجولته ووقاره وتجعل الناس تهابه وتجله، في حين تجد آخرين يتخلون عن وقارهم، يتصرفون كالأطفال ويتصابون كالمراهقين في أحاديثهم وكلامهم وتصرفاتهم.
فقد تجد رجلا مسنا تحسبه من هيئته شيخا جليلا وتتفاجأ به يتعرض للفتيات الصغيرات في الطرقات ويعاكسهم، وكأنه صبي مراهق لا يحترم لنفسه شيبا ولا أخلاقا، حتى يدفع بعض الفتيات لإهانته ومعايرته بشيبه، ومع ذلك لا ينتفض لماتعرض له من إهانة ويستمر في غيه وسفاهته.
وقد تجد أستاذا مرموقا أو عالما يحفظ الناس علمه، ومع ذلك قد يندفع لأخلاق الصبيان، سواء في حديث أو في جدال مع غيره، حيث يبادر بالسب والشتيمة ليجبر من أمامه أن يترك حلمه معه ويضطر لإهانته فيكون بذلك أهان نفسه قبل أن يهينه الآخرون، فضلا عن عشرات الأمثلة التي نصادفها كل يوم وليلة بين النماذج التي نحيا بينها.
الوقار في القرآن
وقد قال تبارك وتعالى عن وقار الرجال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان: 63].
في هذه الآية الكريمة يصف الله عباده المكرمين، وأولياءه الصَّالحين، فكانت أوَّل صفة امتدحهم بها الله تبارك وتعالى هي صفة الوَقَار، والمعنى: أنَّهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع، لا يضربون بأقدامهم، ولا يَخَفْقِون بنعالهم أشَرًا وبطَرًا) .
قال ابن كثير: هذه صفات عباد الله المؤمنين الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] أي: بسكينة ووقار من غير جبريَّة ولا استكبار، كما قال: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: 37] فأمَّا هؤلاء فإنَّهم يمشون من غير استكبار ولا مَرَح، ولا أشَرٍ ولا بَطَرٍ، وليس المراد أنَّهم يمشون كالمرْضَى مِن التَّصانع تصنُّعًا ورياءً، فقد كان سيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنَّما ينحطُّ من صَبَب، وكأنَّما الأرض تُطوى له.
وقد كره بعض السَّلف المشي بتضعُّف وتصنُّع، حتى رُوي عن عمر أنَّه رأى شابًّا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! فعلاه بالدِّرَّة، وأمره أن يمشي بقوَّة. وإنَّما المراد بالهَوْن -هاهنا-: السَّكينة والوَقَار) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19].
هذه إحدى وصايا لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه، وفيها أمرٌ بالسَّكينة والوَقَار حال مَشْيه بين النَّاس، قال البغوي: (أي: ليكن مَشْيك قصدًا لا تخيُّلًا ولا إسراعًا. وقال عطاء: امش بالوَقَار والسَّكينة، كقوله: يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63]) .
يقول النَّوويُّ: (الوَقَار في الهيئة وغض البصر، وخفض الصَّوت، والإقبال على طريقه بغير التفات ونحو ذلك.
فهذه الأخلاق الكريمة هي من صفات الأنبياء وآدابهم، لذا طُلب من أتباع الأنبياء أن يقتدوا بهم، وأن يأخذوا بهذه الخصال الكريمة، فالمقصود أنَّهم يتَّبعونهم، ويسيرون على منهجهم، ويقتدون بهم في الأخلاق والأفعال والسِّمات والهدي والوَقَار، فالهدي الصَّالح هو الطَّريقة الصَّالحة.
اقرأ أيضا:
وسائل للمحافظة على الصلاة.. تعرف عليهاكيف تكون وقورًا بين الناس؟
1- السَّكينة، فإنَّها تُثمر الخشوع، وتَجْلب الطُّمَأنينة، وتُلبس صاحبها ثوب الوَقَار.
2- اتِّباع آثار الأنبياء والصَّالحين الذين تحلَّوْا بالوَقَار. عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الهدي الصَّالح والسَّمت الصَّالح والاقتصاد جزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا من النُّبوَّة )) .
3- الخشوع في الطَّاعات، والإكثار من الصَّالحات.
4- طلب العلم، عن الحسن قال: (قد كان الرَّجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشُّعه، وهديه، ولسانه، وبصره، وبرِّه) (3) .
5- البعد عن الغَضَب، والطَّيش والنَّزَق؛ فإنَّ ذلك ينافي الوَقَار والهيبة، وقال طاهر بن الحسين يوصي ابنه عبد الله: (واملك نفسك عن الغَضَب وآثِر الوَقَار والحِلْم. وإيَّاك والحدَّة والطَّيش والغرور فيما أنت بسبيله) .
6- التزام الصَّمت وقلَّة الكلام، إلَّا فيما يعني، كلُّ ذلك من سِمَات الوَقَار وعلاماته، لذا قالوا: (الصَّمت زين الحِلْم وعُوذَة العلم، يُلزِمك السَّلامة، ويُصحِبك الكرامة، ويكفيك مؤنة الاعتذار، ويُلبسك ثوب الوَقَار) .
7- الحياء، قال القرطبيُّ: (إنَّ من الحياء ما يحمل صاحبه على الوَقَار، بأن يوقِّر غيره، ويتوقَّر هو في نفسه) .
8- الحِلْم، فهو وسط بين الاستشاطة والانفِراك، وهي حالة تكسب النَّفس الوَقَار .
9- الصِّدق، فإنَّ (صدق اللَّهجة عنوان الوَقَار) .
10- تعظيم الحرمات.