(أنا جاي طالب إيد بنتك يا حاج).. بهذه العبارة المعتادة يتقدم الشاب لخطبة عروسه، فلماذا يحدد اليد فقد دون بقية الجسد، ولماذا مثلا لم يقل القلب، خصوصًا أن الأخير هو مفتاح القبول وبالتالي مفتاح الزواج؟.
والحقيقة أن في الأمر بلاغة ومجازًا عظيمًا، قد يغيب معناه عن كثير من الناس للأسف.. والتفسير الأول الذي بينه بعض المفسرين وأهل الحكمة أن طلب اليد تحديدًا، يأني من كون الأب أو الولي، (وأحيانًا العروس ذاتها) تمد يدها للموافقة على ذلك، أو أنه أثناء (كتب الكتاب) يقدم الولي يده في يد الخاطب لإتمام الأمر.
والشاهد هنا أن اليد تدل على بشرى القبول، حتى قبل أن يتم الرد.. وقيل إن الخِطبة كلغة تعني (الجلسة) أو المجلس الذي يتم فيه التقدم للنساء من أجل الزواج، ومن خطب المرأة إلى القوم إذا طلب أن يتزوج منهم، وفي الاصطلاح أن طلب الزواج ممن يعتبر منه، وهي اتفاق مبدئي عليه، ووعد بالزواج، وتعتبر الخطبة أولى خطوات الزواج.
بلاغة عظيمة
أيضًا يعد الأمر بلاغة، وهناك في علم البلاغة ما يسمى مجاز مرسل، ومن أنواع المجاز المرسل أمر يسمى علاقة الجزئية، فما علاقة المجاز المرسل بالجزئية؟.. يعني أن نذكر الشئ بجزء منه، مثلا تقول " أنا طالب إيد بنتك يا عمي"، فالعريس هنا طلب الجزء يعني (يدها) ويقصد به الكل يعني (العروسة كلها)، والقرآن ملئ بهذه الأمثلة، قال تعالى: «وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ»، فالمجاز واقع في كلمة "رقبة" والمُراد من الآية تحرير إنسان كامل، والرقبة جزء من الإنسان، فقد ذُكر الجزء وهو "الرقبة" وأريد الكل وهو الإنسان.
أيضًا فسرها بعض أهل العلم أن طلب اليد كناية عن الزواج، تأتي تأدبًا في طلب الزواج، إذ أنه من المعروف لدى العرب أنهم أقوام متحفظة، ولا يصح حين يتقدم المرء لطلب اليد أن يقول (أريد نكاحها مباشرةً) تأدبًا، فيعوض بها بقول (أطلب يدها)، لأن القبول يأتي من تقديم اليدين للاتفاق، وكنوع من التأدب في طلب الزواج، فلا يعد تجاوزًا في حق المرأة أو أهلها.. وهذه من الأشياء التي اعتادها العرب كونهم أناس يعون الذوق الرفيع جيدًا في استخدام الألفاظ والمصطلحات.
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةأقوال أخرى
أيضًا من بين الأقوال الأخرى في أمر (طلب اليد)، أن الخطبة في نظر القانون لا يترتب عليها أيًا من الحقوق والواجبات، فهي فترة للتعارف، وفي الغالب لا تحتاج لفترة طويلة ويفضل ألا تطول، لأنها تكون بلا غطاء قانوني يحفظ للفتاة حقوقها في حالة تراجع الشاب عن رأيه فيها، ومن ثمّ فالأمر يقال طلب اليد، لأنها قد لا تتم بالأساس، فيكون الأمر وقف عند مجرد طلب يد، وليس الأمر كله، وهي أيضًا من المجاز المرسل الذي تعلمه العرب قديمًا، وتداولوا عليه جيلا بعد جيل، حتى سار كالماء والهواء، ومما جلب عليه، فلا يتغير بتغير الزمن.