كلام الله معجز تحدى به الجنس والإنس مجتمعة على أن يأتوا بمثله، فلن يتمكنوا من ذلك أبدًا، ذلك أنه كلام الله الذي يحمل أسرار الكون كله، ففي كل حرف من حروفه معان عظيمة ومتعددة، فكيف بكل السور؟.. قال تعالى يؤكد ذلك: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (لقمان 27).
ذلك أنه لو كانت بحار الدنيا و محيطاتها و كل نقطة من مياه على سطح كل تلك الكواكب عبارة عن مداد لأقلام مصنوعة من كل مادة في هذه الدنيا يصلح أن يصنع منها قلم , ما نفدت كلمات الله التي لا تنتهي و لا تخلو من علمه و حكمته و كل كمال لازم لها، وهنا سنتوقف أمام بعض المصطلحات الصعبة التي تمر علينا كثيرًا، لكن الكثير منا قد لا يفهمها.
القطمير
أولى هذه الكلمات (القطمير) وهو غشاء رقيق على نوى التمر، قال تعالى : « وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ »، والقطمير هي القشرة التي في شق النواة كالخيط الدقيق، والمعنى : (لا يملكون شيئا ولو حقيرا ، فكونهم لا يملكون أعظم من القطمير معلوم بفحوى الخطاب ، وذلك حاصل بالمشاهدة فإن أصنامهم حجارة جاثمة لا تملك شيئا بتكسب ولا تحوزه بهبة ، فإذا انتفى أنها تملك شيئا انتفى عنها وصف الإلهية بطريق الأولى ، فنفي ما كانوا يزعمونه من أنها تشفع لهم).
اقرأ أيضا:
"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"؟.. لن تصدق ما فعله الصحابة عند سماع هذه الآية؟ (الشعراوي يجيب)الفتيل
الكلمة الثانية هي (الفتيل) وهي خيط رفيع موجود على شق النواة، قال تعالى : ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم هؤلاء الذين أخبر عنهم أنهم يزكون أنفسهم ولا غيرهم من خلقه فيبخسهم في تركه تزكيتهم ، وتزكية من ترك تزكيته ، وفي تزكية من زكى من خلقه شيئا من حقوقهم ، ولا يضع شيئا في غير موضعه ، ولكنه يزكي من يشاء من خلقه فيوفقه ، ويخذل من يشاء من أهل معاصيه . كل ذلك إليه وبيده ، وهو في كل ذلك غير ظالم أحدا ممن زكاه أو لم يزكه فتيلا ، وعن أبي إسحاق الهمداني ، عن التيمي قال : سألت ابن عباس عن قوله : " ولا يظلمون فتيلا " قال : ما فتلت بين إصبعيك .
النقير
أما الكلمة الثالثة فهي (النقير).. وهي نقطة صغيرة في النواة في الجهة المقابلة للشق ، قال تعالى : ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا )، يعني : ولا يظلم الله هؤلاء الذين يعملون الصالحات من ثواب عملهم ، مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة ، فكيف بما هو أعظم من ذلك وأكثر؟ وإنما يخبر بذلك جل ثناؤه عباده أنه لا يبخسهم من جزاء أعمالهم قليلا ولا كثيرا ، ولكن يوفيهم ذلك كما وعدهم.