يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة" والوقوف بيوم عرفة، هو المشعر الوحيد من مشاعر الحج، الذي ينبغي ان يتجمع فيه كل حجاج بيت الله الحرام في توقيت واحد وفي يوم واحد، بغض النظر عن مناصبهم ولا مواقعهم ولا أنسابهم، بخلاف باقي المشاعر المقدسة، التي يمكن للحاج أن يختصرها أو يقوم بها في توقيتات سريعة متتالية بحيث ينهي حجه في أقرب وقت ممكن.
ما يعني أن لهذا اليوم قدسية عظيمة لكي يختار الله تعالى هذا اليوم من أجل إعلان راية التوحيد، وتجمع ملايين البشر في زمان واحد ومكان واحد من أجل تلبية دعوته عز وجل، وقد تداولت كتب التراث أسبابا مختلفة حول سبب تسمية يوم الوقوف بعرفة، بهذا الاسم، ولكن معظمها أرجع ذلك الاسم إلى الجبل نفسه والذي قيل، إنه سمي بهذا الاسم، لأنه "حينما هبط آدم وحواء من الجنة إلى الأرض، نزلا في مكانين مختلفين، فالتقيا عند جبل عرفات، وتعرفا على بعضهما البعض".
ولكن رواية أخرى تشير إلى أنه سمي بهذا الاسم، لأن جبريل، كان يطوف بإبراهيم، ويعلمه مناسك الحج، وكانا يقفان على هذا الجبل ويسأله بعدها جبريل "أعرفت، أعرفت"، فيرد عليه "عرفت، عرفت".
تمام النعمة بكمال الدين
ومن أسرار يوم عرفة ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال : أي آية ؟ قال : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } المائدة :3 .
قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم : وهو قائم بعرفة ، يوم الجمعة .
فقد نزلت آية كمال الدين وإتمامه على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرف قيمة هذا اليهود، وقالوا لعمر لو أنزلت عليهم لاتخذوها عيدا، فما بالنا نحن المسلمون وقد نزلت الآية الكريمة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلن الله في هذا اليوم كمال دينه وتمامه، لنا، فجعل الله في هذا اليوم تمام راية التوحيد، وشرع فيه القيام بركن الحج الأعظم، وجعل الحج عرفة.
ومن أسرار يوم عرفة أن جعله الله عيد لأهل الموقف منه الحجيج في عرفات، قال النبي صلى الله عليه وسلم :” يوم عرفة و يوم النحر و أيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب ” رواه أهل السنن .
وأقسم الله تعالى بيوم عرفة والعظيمُ لا يقسم إلا بعظيم ، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى : ( وشاهدٍ ومشهود ) سورة البروج.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ”"ليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة".
كما ذكر الله تعالى يوم عرفة في آية اخرى، من سورة الفجر بقوله تعالى: " والشفع والوتر".
يقول ابن عباس: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة. وهو قول عكرمة والضحاك.
اظهار أخبار متعلقة
فضل وثواب يوم عرفة:
اتفق العلماء من خلال أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المجموعة في فضل يوم عرفة، على أن صيامه يكفر سنتين، فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : ” يكفر السنة الماضية ، والسنة القابلة ” رواه مسلم .
ويستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صومه، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة .
وأشار الله عز وجل إلى فضل يوم عرفة في بعض آيات القرآن الكريم ، ومنها قوله تعالى: ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) ( سورة الحج : 27 -28 ) .
والوقوف بجبل عرفات زمنه هو يوم عرفة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة"\.
كما جعل الله تعالى يوم عرفة من ضمن الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، وقد أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية : عن ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات أيام العشر”.
ووردت في السنة النبوية فضلها : فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء ” رواه البخاري وغيره .
فيوم عرفة أحد الأيام المعلومات ، التي ذكرها الله تعالى في كتابه فقال : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) سورة الحج.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة .
كما أن يوم عرفة هو اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم : فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان – يعني عرفة – وأخرج من صُلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذّر ، ثم كلمهم قبلا ، قال : ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من يعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) الأعراف :172-173 ، رواه أحمد وصححه الألباني .
يوم المغفرة
كما أن يوم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب، والعتق من النار ، والمباهاة بأهل الموقف.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من يومٍ أكثر من أنْ يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ” .
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يُباهي ملائكته عشية عرفة ، بأهل عرفة ، فيقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شعثا غبرا ".
لذلك كشف النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء يوم عرفة عظيم، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” خيرُ الدعاء ، دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير “.
ويسن في عرفة التكبير، فقد ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين :
تكبير مطلق ، يكون في كل أيام العشر من ذي الحجة ، وفي عموم الأوقات ، ويبدأ من أول ذي الحجة ، حيث كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق ، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
وتكبير مقيد : يكون عقب الصلوات المفروضة ، ويبدأ من فجر يوم عرفة . قال ابن حجر رحمه الله : ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ، وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود رضي الله عنهم : أنه من صبح يوم عرفة ، إلى آخر أيام منى .